في السنوات العشر الأخيرة بلغ المعدّل السنوي للعجز في الميزان التجاري نحو 16.7 مليار دولار. الاستيراد المفرط هو المصدر الأساسي للعجز، وهو كان محفّزاً بنمط استهلاكي مدعوم بسياسة تثبيت سعر صرف الليرة مقابل الدولار، ويستنزف دولارات النظام المالي (المصارف، مصرف لبنان). انهار هذا النمط بعدما تقلّص تدفق الدولارات من الخارج لأسباب سياسية واقتصادية. عندها ظهرت فجوة كبيرة بين موجودات ومطلوبات القطاع المصرفي بالعملات الأجنبية. لذا، السيطرة على الانهيار، تعني السيطرة على الاستيراد. انهيار سعر الصرف يؤدي إلى هذه الغاية، إنما بشكل غير منظّم وغير فاعل. ربما تكون هناك حاجة إلى اتخاذ تدابير منظمة تُسمى تقييد استيراد السلع أو الـ Import Control.

تقييد استيراد السلع يتم بوسائل متعدّدة. الطريقة السائدة حالياً في لبنان، تكمن في ترك مفاعيل الأزمة تتحكّم بالأمر. هي طريقة وحشية لا تميّز بين الحاجات الأساسية للمقيمين، وبين حاجات الفئات الأكثر ثراء. بمعنى آخر، تُرك سعر صرف الليرة ينهار ليأكل القدرة الشرائية للأجور وتنخفض معها القدرة على استهلاك السلع. هكذا تقلّصت فاتورة الاستيراد إلى النصف مقابل ارتفاع سعر صرف الليرة تجاه الدولار بأكثر من 8 مرات.
في الواقع، يمكن اللجوء إلى وسائل تنظيمية هادفة، مثل تقييد دخول السلع الكمالية أو تلك التي لها بديل مصنّع محلياً. هذا الأمر مهم من أجل وقف نزف دولارات مصرف لبنان على سلع لا حاجة فعلية إليها. وبحسب المركز الاستشاري للدراسات يمكن القيام بهذه العملية بشكل أكثر فاعلية يوفّر أكثر من 3 مليارات دولار.
الـ Import Control يعني تحكّم الدولة بواحد من ثلاثة مسارات: قيمة السلع الواردة، حجم السلع الواردة، نوع السلع الواردة؛
- يمكن زيادة الرسوم الجمركية أو أي رسوم أخرى على قيم السلع المستوردة أو على بعض الأصناف. إجراء كهذا، يرفع أسعار مبيعات السلع التي خضعت لزيادة الرسوم، في السوق المحليّة بسبب ارتفاع كلفة استيرادها. تلقائياً سينخفض الطلب عليها، ويتقلّص استيرادها.
- يمكن ربط استيراد السلع بإجازات استيراد تصدر عن الوزارات المعنية على أساس «كوتا» مخصصة للسلع المنويّ تقييد استيرادها. بهذه الطريقة تتحكم الإدارة الرسمية بناءً على أهداف محدّدة بحجم الاستيراد من خلال تحديد هوية المستورد وكمية السلع المستوردة.
- يمكن منع استيراد سلع معينة باعتبار أنها سلع غير أساسية ولا حاجة إليها فتمنع استيرادها لمدّة زمنية معينة، مثلما فعلت الحكومة السورية في شهر آذار الماضي عندما أوقفت استيراد الهواتف المحمولة حتى إشعار آخر.

عملياً، انخفض الاستيراد بفعل الأزمة. فبعد ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، ارتفعت أسعار السلع المستوردة باستثناء السلع التي اعتبرتها الحكومة أساسية ودعمتها بدولارات مصرف لبنان على سعر يُراوح بين 1500 و3900 ليرة للدولار. وبذلك تقلّص العجز في الميزان التجاري في عام 2020 إلى 6.38 مليارات دولار مقارنة مع معدل سنوي بقيمة 16.7 مليار دولار خلال السنوات العشر الأخيرة. لكنّ هذا العجز، بحسب المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق، يمكن خفضه أكثر، إذا ما ضبطت الدولة حجم الاستيراد.
يطرح المركز الاستشاري خطّتين لضبط عملية الاستيراد هما:
- الخطّة الأولى: ضبط حجم السلع غير الأساسية المستوردة. تفترض هذه الخطة خفض استيراد السلع غير الأساسية عبر ثلاثة سيناريوات (20% و40% و 50%) في مقابل ثبات حجم استيراد السلع الأخرى وحجم التصدير. وتظهر نتائج هذه الخطة أنه يمكن خفض العجز في الميزان التجاري بما يُراوح بين 21% و41%. ففي السيناريو الأول ينخفض العجز من 6.38 مليارات دولار إلى 5.54 مليارات دولار، وفي الثاني ينخفض إلى 4.58 مليارات دولار، أما في الثالث فينخفض إلى 4.1 مليارات دولار.

- الخطة الثانية: ضبط حجم استيراد السلع غير الأساسية، بالإضافة إلى السلع الأساسية أيضاً. تفترض هذه الخطة خفض استيراد السلع الأساسية بنفس سيناريوات الخطة الأولى، كما تفترض خفض استيراد السلع الأساسية. ويعتمد افتراض خفض السلع الأساسية على وجود طلب زائد على هذه السلع بسبب الاستهلاك المفرط والتهريب عبر الحدود. فتصبح السيناريوات على النحو الآتي: (1) خفض السلع الأساسية بنسبة 5% وخفض السلع غير الأساسية بنسبة 20%. (2) خفض السلع الأساسية بنسبة 10% وخفض السلع غير الأساسية بنسبة 40%. (3) خفض السلع الأساسية بنسبة 15% وخفض السلع غير الأساسية بنسبة 50%. وبحسب النتائج استناداً إلى هذه الخطة، فإنه يمكن خفض العجز بنسبة تُراوح بين 25% و45%. وبهذه الطريقة ينخفض العجز بحسب نتائج السيناريو الأول إلى 5.25 مليارات دولار، وبحسب السيناريو الثاني إلى 4 مليارات دولار، وإلى 3.24 مليارات دولار بحسب السيناريو الثالث.



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا

تابع «رأس المال» على إنستاغرام