ليس هناك دعم بلا هدر. الدعم يتسرّب بشكل ما في سوق تطغى عليها البنية الاحتكارية. زاد استيراد البنزين والدواء والمستلزمات الطبية والغاز والقمح... لو دققنا أيضاً في المواد الغذائية المدعومة والكميات التي كان يوردها التجار أنفسهم في السنة السابقة لتبيّن أيضاً أن هناك زيادة فيها. المفاجئ أن السلطة تتعامل مع الأمر ببرود؛ أشهر من الدعم تهدر مليارات الدولارات وحتى الآن ليس هناك قرار للتوقف عن تبديد الأموال التي يمكن استعمالها من أجل النهوض، وليس هناك أي مسائلة عن صرف الأموال. فالاحتياطات تراجعت بقيمة 10.95 مليارات دولار في 2020، بما بلغت كلفة الدعم نحو 7.88 مليارات دولار. من يسأل الحاكم أين ذهبت الـ 3مليارات دولار؟ هل تدخّل الحاكم بالسوق بائعاً للدولار؟ هل منح هذه الدولارات للمصارف؟ هل منحها للصرافين؟ لمن أهداها الحاكم؟
المصدر: مصرف لبنان، الجمارك اللبنانية، وزارة الاقتصاد، الأخبار | تصميم: رامي عليّان | أنقر على الرسم البياني لتكبيره

باستثناء المواد الغذائية المدعومة التي لا يمكن إحصاؤها بدقة لكثرة التعديلات التي طرأت على لوائحها، فقد دفع لبنان في 2020 مبلغ 5720 مليون دولار لتمويل استيراد: البنزين، المازوت، الفيول، الغاز المنزلي، الأدوية، المستزمات الطبية، القمح (مصرف لبنان يموّل 90% منها بدولاراته على أساس سعر صرف يبلغ 1520 ليرة). وإذا صحّت تقديرات وزارة الاقتصاد، فإن قيمة السلع الغذائية المدعومة تبلغ 960 مليون دولار (يموّلها مصرف لبنان بنسبة 100% على أساس سعر صرف يبلغ 3900 ليرة)، وفوقها هناك مدفوعات مصرف لبنان عن الدولة اللبنانية المقدّرة بنحو 1200 مليون دولار، أي أن مجمل قيمة الدعم عبر احتياطات مصرف لبنان كلّف 7308 ملايين دولار مقارنة مع تراجع في الإحتياطات بقيمة 10.950 مليون دولار أي أنه هناك 3.642 مليون دولار مجهولة المصير.
بحسب إحصاءات الجمارك اللبنانية، يمكن تسجيل الملاحظات الآتية:
- البنزين سجّل زيادة في الكميات المستوردة بنسبة 13% من 2472 مليون ليتر (قيمة استيرادها 1092 مليون دولار) في نهاية 2019 إلى 2798 مليون ليتر (قيمة استيرادها 1331 مليون دولار) في نهاية 2020، أي بزيادة حجمها 326 مليون ليتر، علماً بأن ثمن الاستيراد انخفض بسبب انخفاض الأسعار العالمية. في الواقع، إن حجم الاستهلاكي اليومي من البنزين البالغ 7 ملايين ليتر قياساً إلى استيراد 2019، يوازي 343 ألف صفيحة، وبالتالي فإن الزيادة المستوردة في 2020 توازي استهلاك 47 يوماً. لا شكّ بأن الحديث عن التهريب واسع جداً إلى جانب التخزين بشكل واسع. ولا يمكن إنكار حقيقة أن الاستهلاك الفعلي للبنزين تراجع خلال السنة الماضية وخصوصاً بسبب جائحة «كورونا» ومواجهتها عبر إقفالات متعددة، فضلاً عن تقلص القدرة الشرائية بنسبة كبيرة بعدما خسرت الليرة اللبنانية أكثر من نحو 85% من قيمتها. هذا يعني أن استهلاك البنزين يجب أن يكون أقلّ، وأنه يجب التعامل مع هذه المسألة بجديّة أكبر. طالما أن الدعم موجود سيكون الهدر دائماً موجوداً. فقد أثبتت التجارب أن قنوات الدعم مهما كانت صارمة، إلا أن فاعليتها في بنية النموذج اللبناني ستكون منخفضة لأنها تفيد الميسورين أكثر من الفقراء ذوي الحاجة، ولأنها تتيح تسرّب جزء من الدعم لزيادة أرباح السوق التي تعاني من بنية احتكارية واسعة.
- انخفضت كميات المازوت المستوردة بنسبة 1.3% من 6123 مليون ليتر مازوت مستوردة في 2019 إلى 6039 مليون ليتر في 2020. كلفة استيراد المازوت تراجعت أيضاً من 3197 مليون دولار في 2019 إلى 2180 مليون دولار في 2020. تراجع كميات المازوت المستوردة كان لافتاً جداً؛ فهناك فترات شهدت فيها السوق انقطاع مادة المازوت وضغوطاً عالية على مولدات الأحياء بسبب زيادة التقنين في مؤسسة كهرباء لبنان، ما يثير الكثير من الشكوك حول أسباب هذا التراجع وإذا كان يبرّر حصول التقنين في السوق. لكن التفسير الوحيد المتاح حالياً، هو أن المازوت المستورد لحساب مؤسّسة كهرباء لبنان وتشغيل معامل الكهرباء تقلّص جداً، وهو ما أدّى إلى تراجع التغذية بالتيار، وزيادة الطلب على المازوت الذي تستعمله مولدات الكهرباء لتعويض النقص الناتج عن التقنين.
- استورد لبنان 1841 مليون ليتر من الفيول في 2020 مقارنة مع 3913 مليون ليتر في 2019. كانت قيمة الكميات المستوردة في 2019 تبلغ 1722 مليون دولار وانخفضت قيمتها في 2020 إلى 667 مليون دولار. هذا التراجع يتماشى مع الفكرة السابقة عن تراجع التغذية بالتيار الكهربائي واضطرار مؤسسة كهرباء لبنان إلى التوقف عن تشغيل وحدات معينة لأسباب تتعلق بالصيانة أو بعدم توافر الأموال لشراء الفيول والمازوت اللازمين لتشغيل المعامل.
- استورد لبنان 294 طن غاز بوتان (الغاز المنزلي) بقيمة 153.6 مليون دولار مقارنة مع استيراد كمية 231.6 طن بقيمة 123.5 مليون دولار في عام 2019.
- استورد لبنان أدوية بقيمة 862.3 مليون دولار في نهاية 2020 مقارنة مع 792.8 مليوناً في 2019، أي بزيادة نسبتها 8.7%، أو ما قيمته 70 مليون دولار. هذه قيمة استيراد الأدوية، أما قيمة مبيعاتها في السوق المحلية فالأرجح أن تكون قد بلغت 1240 مليون دولار إذا أضفنا إليها هوامش أرباح المستوردين والتجار والصيدليات. أما إذا احتسبنا البنود الصيدلانية كاملة، فإن قيمة مستورداتها (من دون احتساب أرباح التجار) تبلغ 1440 مليون دولار.
- استورد لبنان نحو 800 ألف طن قمح في 2020 بقيمة استيراد مصرّح عنها للجمارك اللبنانية تبلغ 188.6 مليون دولار. أما في عام 2019 فقد استورد لبنان 535 ألف طن قمح بقيمة 123.2 مليون دولار.



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا

تابع «رأس المال» على إنستاغرام