تتبنّى منظّمة العمل الدوليّة مقولة أنّ نظام الحدّ الأدنى للأجور يُسهم في تقليص هوّة اللامساواة في الدّخل، وهي تشير إلى أنّ غالبيّة المحلّلين متّفقين على أنّ الحدّ الأدنى للأجور لديه القدرة على الحدّ من انعدام المساواة في الأجور والدخل لدى الاقتصادات المتقدّمة واقتصادات البلدان النامية على حدٍ سواء. رغم ذلك، هل يمكن اعتبار الحدّ الأدنى للأجور أداةً لمواجهة اللامساواة. هذا الأمر جدليّ جداً، إذ لا يمكن التّعامل معه بشكلٍ مجرّد من العوامل الأخرى. فمثلاً يجب النظر إلى السيطرة على الأسعار في الاقتصاد، في الوقت نفسه، إلى جانب وضع حدّ أدنى للأجور، لأنّه إذا ما فرض الحدّ الأدنى للأجور على أصحاب العمل في «سوق حرّة»، يستطيع هؤلاء، في المقابل، رفع أسعار السلع، الأمر الذي يُبطل أيّ أثرٍ إيجابيٍّ قد ينتج عن وضع الحد الأدنى للأجور في مواجهة اللامساواة.على أي حال، تشير المنظّمة إلى ثلاثة عوامل تُسهم في تمكين الحد الأدنى للأجور ليكون وسيلةً لمواجهة اللامساواة:
- فعاليّة الحدّ الأدنى للأجور. وهو مزيجٌ بين التّغطية القانونيّة للحدّ الأدنى، وبين مستوى الامتثال له في الاقتصاد. التغطية القانونية تعني النطاق الذي يشمله الحد الأدنى للأجور بموجب القانون. ففي بعض الحالات يمكن أن يكون هذا النطاق القانوني محدوداً، فلا يشمل أكثر الفئات حاجةً إليه، مثل عمّال المنازل والعمّال في قطاع الزّراعة وعاملين أخرين يُعدّون في القعر اجتماعياً تبعاً لتصنيف «هرم الدّخل». وفي هذه الحالة يكون القانون هو العائق أمام فرض هذا الحد الأدنى على أصحاب العمل بشكلٍ شامل. فإذا لم يتوفّر هذا الأمر، فلا يُمكن أن يلعب الحدّ الأدنى للأجور دوراً أساسيّاً في ردم هوّة اللامساواة في الدّخل.
وبالنسبة لامتثال أصحاب العمل بالحدّ الأدنى للأجور فهذا الأمر متعلّقٌ بشقّين هما: الأوّل، وجود أجهزة رقابةٍ قادرةٍ على فرض الحدّ الأدنى، ومن دونها يكون الحدّ الأدنى للأجور مجرّد رقم لمادّة موجودةٍ في القوانين ولا يمثّل شيئاً في الواقع. والثاني، مدى انتشار قطاع العمل غير النظامي، أي العمّال غير المسجّلين بشكل رسمي من قبل أرباب العمل، وهؤلاء لا يمكن أن يلحظهم الحدّ الأدنى للأجور لأنّهم غير مسجّلين في السجلات الرسمية.
في حال كان مستوى امتثال أصحاب العمل ضعيفاً، فهذا يعيق فعاليّة وجود الحدّ الأدنى للأجور كأداة لمواجهة اللامساواة.
- مستوى الحدّ الأدنى للأجور. يجب أن يكون معتدلاً، أي لا يكون مرتفعاً أكثر من اللازم ولا منخفضاً أكثر من اللازم. بحسب منظمة العمل الدولية، يجب أن تكون مستويات الحدّ الأدنى مناسبة لضمان «حصّةٍ عادلةٍ من ثمار التّقدم لجميع العاملين والمحتاجين إلى حماية». ففي حال كان الحدّ الأدنى للأجور منخفضاً أكثر من اللازم، يكون غير قادرٍ على حماية الأجراء الأكثر عرضةً للاستغلال، وهو الهدف الأساسي من وجوده، كما أنّه يُعيق عمليّة مواجهة اللامساواة في الدخل. وفي حال كان مرتفعاً أكثر من اللازم، يكون تأثيره سلبياً على مدى فعاليّته، لأنّه يدفع أصحاب العمل للتهرّب من تطبيقه أو إحترامه، وفي هذه الحالة يكون الامتثال له ذا كلفةٍ عالية. ومن ناحيةٍ أخرى يدفع الأجراء للاتجاه إلى العمل غير النّظامي، لأنّ ارتفاع الحدّ الأدنى للأجور يسهم في ترويج هذا القطاع على حساب القطاع النظامي. التّأثير السّلبي على فعاليّة نظام الحدّ الأدنى للأجور، هو بحدّ ذاته ضرب للنّظام كأداةٍ لمواجهة اللامساواة.
- مدى الاستفادة الفعليّة للفئات الأكثر حاجةً لوجود نظام للحدّ الأدنى للأجور. هذا الأمر متعلّق بهيكليّة القوّة العاملة في الاقتصاد وخصائص الفئات المستفيدة. تحديد المستفيدين أمرٌ ضروري. فمثلاً إذا كان القطاع غير النظامي يمثّل الجزء الأكبر من قطاع العمل على مساحة الاقتصاد، فإن هذا الأمر يشير إلى أنّ الأسر ذات الدخل المنخفض هي، بمعظمها، جزء من هذا القطاع غير النظامي. وبما أنّ هذا الجزء من الاقتصاد لا يمكن إلزامه بنظام الحد الأدنى، فإذاً لا يكون للمشاركين فيه أيّ استفادةٍ من النظام، و سيكونون هم الأفراد الأقل دخلاً والأكثر حاجة للنظام. وبالتالي يكون النظام قد فقد دوره في محاربة اللامساواة في الدخل.


327 مليوناً هو عدد العمّال، في العالم، الذين يتلقّون أجراً يساوي أو يقلّ عن الحد الأدنى للأجور. ويمثّل هذا الرقم 19% من مجموع الأجراء في العالم، ومن ضمنه 152 مليون إمرأة عاملة، بنسبة تبلغ 46%.
ويتوزّع هؤلاء بحسب المناطق في العالم على الشّكل التالي:
قارّتَي أميركا: تضُمّان 72 مليون عاملٍ يتلقّون ما يساوي أو ما يقلّ عن الحدّ الأدنى للأجور، أي بنسبة 22% من إجماليّ العاملين في القارّتين.
قارّة أفريقيا: تضم 32 مليون عامل يتلقّون أيضاً ما يساوي أو ما يقلّ عن الحد الأدنى للأجور، ونسبتهم 24% من إجماليّ العاملين هناك.
أوروبا وآسيا الوسطى: تضم 58 مليون عامل يتلقّون ما يساوي أو ما يقلّ عن الحد الأدنى للأجور، أي بنسبة 17% من إجمالي العاملين هناك.
منطقة آسيا والمحيط الهادئ: تضم 160مليون عامل يتلقّون كذلك ما يساوي أو ما يقلّ عن الحد الأدنى للأجور، أي بنسبة 19% من إجمالي العاملين هناك.