في الفترة الممتدة من 2016 لغاية نهاية 2020، تراجعa عدد المؤسسات التي تصرّح عن ضرائبها لدى وزارة المال بنحو 173 ألف مؤسسة، فيما تراجع عدد العاملين المصرّح عنهم في بيانات وزارة المال أيضاً بنحو 540 ألف عامل. هذه المعطيات ليست نهائية إنما لها مدلولات واضحة متصلة بنتائج الانهيار ومفاعيله المتواصلة على الاقتصاد والمجتمع.
أنقر على الرسم البياني لتكبيره

يُعزى هذا التوقف عن التصريح الضريبي للشركات، إلى 5 عوامل أساسية:
- إغلاق المؤسّسات، لكن لا يمكن التأكّد من حجم هذه الموجة التي تبدو كبيرة للغاية رغم أن عملية الإغلاق تتطلب وقتاً طويلاً ومعاملات بيروقراطية متعدّدة في وزارة المال والسجل التجاري وسواها.
- يتوقع أن يكون بعض المؤسسات متعثّراً، لكنه لم يأخذ قراراً بالإغلاق النهائي، بل يأمل أن يعاود العمل لاحقاً بعد استقرار الأسواق، ولا سيما استقرار سعر صرف الليرة في مقابل الدولار.
- يتوقع أن يكون بعض المؤسسات قد أوقف نشاطاته الفعلية المصرّح عنها وانتقل إلى العمل في السوق غير النظامية، أو ما يسمى السوق «الرمادية» حيث ليس مفروضاً عليه التصريح عن نشاطاته وأعماله وأرباحه وعدد موظفيه...
- يتوقع أن عدداً من المؤسسات استفاد من التمديدات المتكرّرة لمُهل التصريح الضريبي التي تقوم بها وزارة المال بين الفترة والأخرى، وبعضها أيضاً لا يكترث إذا تخطّا مهلة ما، لأن كلفة الغرامات لم تعُد كبيرة قياساً بما يمكن أن يحققه من أرباح في العمل السوقي على أساس دولار السوق الحرّة.
- هناك إشكالات واسعة بين مدققي المحاسبة وبين شركات الأعمال. المشكلة تكمن في تسعير الأعمال وأجرة التدقيق التي يبدو أن هناك خلافاً كبيراً حولها يسمح لكلا الطرفين بالمماطلة في التصريح الضريبي، انطلاقاً من كونه يستفيد من واحد أو أكثر من البنود السابقة.
على أي حال، إنّ توقّف المؤسسات عن التصريح الضريبي لا يلغي أن هناك مؤسسات مستفيدة من الانهيار، وأخرى لديها أوضاع متدهورة. فقدرة النظام بشكل عام على ضمان الأرباح من تثبيت سعر الصرف تقلّصت إلى الحدود التي تجعله يصرف عدداً من الموظفين ويعمل في «الظل» ليكتفي بما يحققه من أرباح، بعيداً من تسديد ضريبة الأرباح ــــ المتدنّية بمعدل 17%، أو الخضوع لمخاطر تقلبات سعر الصرف مقابل الاستفادة من عامل تعددية أسعار الصرف.
الأمر نفسه ينطبق على الانخفاض الحاصل في عدد العاملين الذين تصرّح عنهم المؤسّسات لوزارة المالية. فمن الصحيح الاستنتاج بأن عدداً مهماً صُرف من العمل، لكن الصحيح أيضاً الاستنتاج بأن هناك نسبة صغيرة منهم انتقلت إلى العمل بشكل غير نظامي، أي إلى مؤسّسات غير نظامية لا تصرّح عنهم لوزارة المالية ولا للضمان الاجتماعي. وكل هؤلاء العمّال، خسروا التقديمات المدفوعة لهم والتغطية الصحية والتقديمات المدرسية والتقديمات العائلية... خسروا الكثير حتى مع انتقالهم إلى العمل في «الظل» أو كما يسمّى «الاقتصاد الرمادي». ومن الصحيح أيضاً الاستنتاج بأن بعض هؤلاء العمال استقال من العمل بدافع الهجرة أيضاً.
في المقابل، خسرت الدولة حاصلات ضريبية كانت تتوجّب على أرباح المؤسسات، وحاصلات كانت تترتّب على مداخيل العمال. والخسارة الأكبر قطاعياً كانت من نصيب المؤسسات الصناعية والمؤسسات التي تقدّم خدمات سياحية أو إنشاءات أو تجارة تجزئة وسواها، إذ إن كبار المكلفين لم يتأثّروا بهذا التراجع، ولم يطرأ على عددهم أيّ تغيير يذكر، رغم أن عدد العاملين لديهم سجّل تراجعاً نسبياً.
تمثّل هذه الخسارة في عدد المؤسسات الخاضع للضريبة أكثر من ثلث المؤسسات في لبنان. المؤسسات النظامية تمثّل وفق التقديرات نحو نصف المؤسّسات الإجمالية العاملة في الاقتصاد اللبناني. وغالبية المؤسّسات التي توقفت عن العمل هي مؤسّسات صغيرة ومتوسطة، أي لا يتجاوز عدد عمالها الـ 10 لأن نسبة عدد العمال المصرح عنهم يزداد مع تقلص عدد المؤسسات وعدد الموظفين. بمعنى آخر، إن المؤسّسات الأكبر حجماً التي توظّف عدداً أكبر من العمال، وهي التي كانت الأكثر استفادة من «تساهل» النظام الضريبي مع أرباحها و«سخاء» النظام في توليد هذه الأرباح، توافرت لديها قدرات أعلى للاستمرار. بينما المؤسّسات الصغيرة تدمّرت بسرعة نظراً إلى هشاشة بنيتها الناتجة من عدالة النظام الضريبي معها. ولا شكّ بأن هذه الأرقام، بمعزل عن تفاصيلها، تشير إلى أن الأقل دخلاً والأكثر فقراً هم من يدفعون ضريبة الانهيار. المفاعيل القاسية أصابتهم مباشرة، بينما كانت «ألطف» مع أولئك الأكثر تمويلاً والأكثر ربحية. بهذه المفاعيل، اتّسعت أكثر فجوة اللامساواة في الدخل والضريبة، فيما ازداد التركّز في الثروة أيضاً.