في 2020 ارتفعت أسعار المساكن في العالم بنسبة 5.3 في المئة. هذا ما أكدته حسابات صندوق النقد الدولي. ويعتبر ذلك أعلى نسبة ارتفاع سنوي في أسعار المساكن خلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة. وتزامن هذا الارتفاع الكبير مع انفجار إحدى أكبر الأزمات الاقتصادية في التاريخ، أي تلك التي نتجت من جائحة كورونا. فأموال حزم الإنقاذ التي ضُخّت في الأسواق، من قبل الحكومات، بهدف تحفيز الاقتصاد، لم تذهب في الاتجاه الذي كان يتمناه صانعو السياسات. بل ذهب جزء كبير منها إلى الأسواق المالية لينتهي بها المطاف في قطاع المساكن، وفقاً لمؤشّر أسعار المساكن.

المفارقة أن أسعار المساكن المضخّمة سببت بالأزمة المالية التي هزت الاقتصادات العالمية في عام 2008. لكن الآن انقلبت الآلية، فأتى التضخّم في أسعار المساكن نتيجة للأزمة التي يشهدها العالم.
من مؤشرات هذا التضخّم في الأسعار، ارتفاع مؤشّر أسعار المساكن نسبة إلى الإيجارات، أي أن القطاع يعاني من فقاعة. فالارتفاع الهائل في هذا المؤشّر، يعدّ أحد أبرز علامات فقاعة العقارات التي سبّبت بأزمة 2008. كذلك، إن تسارع ارتفاع هذا المؤشر في السنة الماضية، ليصبح على مشارف مستويات ما قبل عام 2008، ينطوي على إشارة خطيرة في اتجاه أزمة مقبلة.
وفيما ارتفعت أسعار السكن بنسبة 5.3 في المئة في عام 2020، ارتفعت الإيجارات بنسبة 1.8 في المئة فقط، أي أن الارتفاع في الأسعار سبق الارتفاع في الإيجارات، وهو ما يفسّر التسارع الذي شهده مؤشّر الأسعار نسبة إلى الإيجارات. ولهذا الأمر نتائج إضافية ستظهر في تضخّم الأسعار. فمؤشر السكن هو بند أساسي في مؤشر تضخّم الأسعار. بحسب صندوق النقد، يمثّل السكن نحو 20 في المئة من السلّة الاستهلاكية. لذا، وفقاً لحسابات الصندوق، إن ارتفاع أسعار المساكن بنسبة 5.3 في المئة يسبّب مباشرة تضخّم الأسعار بنسبة 1.5 في المئة على مدى سنتين.
من الطبيعي أن تمثّل هذه المعطيات مصدر قلق لصانعي السياسات. خصوصاً أن الخوف من مخاطر التضخّم في تصاعد على صعيد العالم كله. كما أن تأثير ارتفاع أسعار السكن على كلفة المعيشة يجب أن يكون دافعاً لهؤلاء للاهتمام بهذه الظاهرة، فهو أمر يمسّ بالأمن الاجتماعي للسكان. ومن ناحية أخرى، إن هذا الارتفاع في أسعار السكن في خضم أضخم أزمة اقتصادية شهدها العالم، لا بد أن يكون جرس إنذار لمدى نجاح السياسات المالية والنقدية التي نفّذها هؤلاء المسؤولون في تحقيق أهدافها. فما يظهر اليوم من تضخّم في الأسواق المالية وأسواق السكن لا يدل إلا على أن هذه السياسات قد فشلت فشلاً ذريعاً.

تابع «رأس المال» على إنستاغرام