الأمور تتسارع في البُعد الرقمي. قطع الأحجية التي ستؤمّن عملية نقل البشر إلى «الميتافيرس» ودمجهم بالآلة أكثر، تتجمّع في الأماكن الفارغة داخل الصورة. وإن كان «الميتافيرس» سيستقبل «الأنا الرقمية» مع كل أخلاقياتها ومُثلها العليا، فهو بلا شكّ سيستقبلها مع حاجتها ونزواتها وغرائزها في عالمٍ رقمي يقول للمخيّلة كل لحظة: أنا أملك كل ما تبتغيه. ومع جموع المستخدمين التي ستدخل إلى الحياة الرقمية، وتقضي أيامها هناك، فإن عملية بحثهم عن «محتوى البالغين» و«الخدمات الجنسية الرقمية» ستكون مسألة وقتٍ فقط. من هنا، سنُلقي الضوء على انتقال «محتوى البالغين»، إلى «البلوكتشاين»، والـ«NFT»، وأجهزة الواقع الافتراضي والمعزّز، فضلاً عن أهمية هذا الأمر بالنسبة إلى صنّاع المحتوى ومؤدي الخدمات الجنسية وبالتوازي المستخدم.إن سرعة اعتناق قطاع «محتوى البالغين» للتقنيات التكنولوجية الحديثة، أمرٌ موثّق. في الواقع، كان هذا القطاع في أحيانٍ عديدة المُوجِّه للتقنيات. فعلى سبيل المثال، شهد العالم بين منتصف السبعينيات ومنتصف الثمانينيات، حرباً بين نظامين لتسجيل وعرض الأفلام؛ الـ«بيتاماكس» من شركة «سوني»، والـ«في إتش اس» من شركة «جي في سي». الأخير كان يتيح تسجيل 3 ساعات متواصلة لكل شريط لكن بجودة صورية ونقاء صوتي أقل من «بيتاماكس» التي لم تستطع سوى تسجيل ساعة واحدة، إذ كان مستخدمو «بيتاماكس» بحاجة إلى تبديل الشريط في منتصف عرض الفيلم. البعض يقول إن هذا ما تسبب في مقتل الجهاز وسيطرة «في إتش اس» على السوق، لكن هناك من يشير إلى أن القاتل هو قطاع «محتوى البالغين» الذي اعتنق شرائط «في إتش اس». فهناك تقرير صدر عام 1981 في صحيفة «نيويورك تايمز»، يقول إنه في تلك الفترة، ما بين 25% و50% من كل شرائط الأفلام المباعة في الولايات المتحدة، كانت ذات محتوى جنسي.
أنجل بوليغان ــ المكسيك

تقنية أخرى كان هذا القطاع أول من اعتنقها، وهي التجارة الإلكترونية (E-Commerce). في مقال نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» عام 2008 عن ريتشارد غوردن، رجل الأعمال المعروف في التسعينيات الذي كان يعمل في الصفوف الأمامية بين أولئك الذين يحوّلون الإنترنت إلى السوق العالمية للمستقبل يوم كانت أسماء مثل «أمازون» و«إي باي» مجرد شركات ناشئة، وردت معلومات تشير إلى أن «العديد من عملاء غوردون الأوائل، هم من صنّاع محتوى البالغين». كذلك لفت المقال إلى أن الرجل جمع ثروة من خلال عمولات معالجة عمليات البيع وتحويل أموال المشتركين في تلك المواقع الإباحية.
تطوّر عرض المحتوى الجنسي عبر التاريخ من الرسم والصور والمجلات والأفلام المسجّلة إلى الإنترنت، حتى قيل يوماً إن الويب هو للـ«بورنوغرافيا». لكن يمكن القول إن لحظة دخول موقع «بورن هاب» إلى الساحة غيّر قوانين اللعبة. فالأخير هو موقع إلكتروني كندي أُطلق في عام 2007، لكن ما جعله في هذه المكانة العالمية هو سبب بسيط جداً (بمعزل عن المحتوى)، إذ منح المستخدمين القدرة على إنشاء حساباتهم الخاصة، وتحميل مقاطع الفيديو الخاصة بهم مع إتاحة جني المال إذا نالت عدداً كافياً من المشاهدات. بمعنى أوسع، تحوّل الموقع إلى منصّة تواصل اجتماعي ترتكز على المحتوى الجنسي حيث يمكن للمستخدمين التفاعل في ما بينهم وترك التعليقات على مقاطع الفيديو، وإنشاء ملفات تعريف خاصة بهم، وتجميع قوائم بمقاطع الفيديو المفضّلة لديهم، وما إلى ذلك. والأهم من ذلك كله بالنسبة إلى المستخدم، أن غالبية الفيديوات مجانية (يوجد أيضاً خاصية اشتراك مالي في الموقع تشمل محتوى خاصاً). ومنذ ذلك الحين، بدأت مبيعات شركات الإنتاج الخاصة بالمحتوى الجنسي، والتي تركّزت لفترة طويلة في وادي سان فرناندو، لوس أنجليس، بالانخفاض.
جاستن ديتريش الذي صوّر العديد من أفلام الواقع الافتراضي الإباحية يقول: «هناك أموال أخيراً مرة أخرى، الأمور تبدو مثل الأيام الخوالي»


لكن، رغم شهرته الواسعة، لم يعد موقع «بورن هاب» يدرّ المال كالسابق لصناع المحتوى. أولاً، لأن الخانات الموجودة باتت مشبَعة بشكلٍ شبه كامل. ومن أجل أن يجني المعدّون الأرباح، بات عليهم أن يشحذوا مخيّلتهم إلى أقصاها (إحدى أبرز المشاكل هنا هي أن المستخدم لن يشاهد الفيديو نفسه مرتين). وثانياً بروز منصّة «أونلي فانز». الأخيرة هي موقع إلكتروني يسمح للأفراد من معدّي المحتوى أن يُنشئوا حساباً خاصاً بهم ليعرضوا عليه ما أنتجوه. في المقابل، يدفع المستخدم مقابل مشاهدة محتوى حسابٍ معين على المنصة، ويقتطع الموقع نسبة 20% من تلك الاشتراكات الشهرية. ويمكن ملاحظة أن عدداً كبيراً من الفيديوات الجديدة التي تم نشرها على موقع «بورن هاب»، غير مكتملة، بمعنى أنها جزء من الفيلم الكامل، مع رابط يظهر داخل الفيلم يشير إلى حساب صانع المحتوى على «أونلي فانز». وكأن الموقع الأشهر بات مجرد جسر.
لذا، كان لا بد لهذه الصناعة أن تعيد إحياء نفسها. أولاً لجهة جني الأرباح، وثانياً لجهة تعزيز الفضول لدى المستخدم، بعدما غلب عليها التكرار. واليوم نجد أن هذه الصناعة اعتنقت غالبية التقنيات الحديثة في عالم الديجيتال. ويمكن تقسيمها إلى 3 مجالات:

أجهزة الواقع الافتراضي والمعزّز
تشعر شركات إنتاج المحتوى الجنسي اليوم بالتفاؤل، بسبب تقنيات الواقع الافتراضي (VR Virtual Reality) والواقع المعزّز (AR Augmented Reality)، إذ يوفر الاشتراك الذي تستخدمه غالبية خدمات VR الإباحية تدفقاً جديداً للإيرادات لشركات الإنتاج في وقت كان يُعتقد أن الدفع مقابل المحتوى الجنسي أصبح شيئاً من الماضي.
السبب في ذلك يعود إلى أن الأفلام الإباحية التي يتم تصويرها لتقنية الـVR، تُدخل المستخدم إلى الفيلم. بمعنى أنه تم تصويره بشكل يُشعر المشاهد أنه يقوم بدورٍ ما. وهذا أمرٌ مختلف تماماً عن المشاهدة عبر شاشة. والأمر الثاني المضاف لهذه التقنية، هي أجهزة خاصة متواجدة للذكور والإناث، يمكن لهم وضعها على أجسادهم لتتماهى سرعة حركتها مع ما يحدث في الفيلم. وهنا يمكن القول، إن ما كان يُسمى سابقاً محتوى جنسياً، بات خدمة جنسية رقمية مع آلة. كما لدى بعض تلك الأجهزة خاصية الاتصال بشريك، وإعطاؤه حرية التصرف بما يمكن للجهاز القيام به.
ويقول المخرج جاستن ديتريش، والذي صوّر العديد من أفلام الواقع الافتراضي الإباحية، لصحيفة «لوس أنجليس تايمز»: «هناك أموال أخيراً مرة أخرى»، الأمور «تبدو مثل الأيام الخوالي».
أما بالنسبة إلى تقنية الواقع المعزّز، والتي تدمج ما يشاهده المرء أمامه بأمور وأشياء مرسومة. هناك تطبيقات تؤمّن لمن يشترك بها، ظهور شريك جنسي يـ/تتنقل معه داخل المنزل. وصحيح أن الأمور هنا ما زالت أقل تطوراً من الواقع الافتراضي، إلا أنها سوق خصبة للمشتركين.

«بلوكتشاين»، عملات رقمية و«NFT»
صُناع المحتوى الجنسي باتوا أيضاً على «بلوكتشاين». هناك عملات رقمية ذات جدوى «توكنز»، مثل «ناستي» و«تابو»، استطاعت أن تجد في الـ«NFT» وسوق العملات الرقمية مكاناً لها، وهي مشاريع على وشك أن تصبح مكتملة. ويمكن للمستثمر أن يتصرف بشكل طبيعي، أي أن يشتري تلك العملات في حال رأى أن لها مستقبلاً ومن ثم يبيعها. لكن هناك خاصية أخرى لتلك العملات (من هنا اسمها توكن Token وليس كوين Coin)، وهو أنه يمكن للأفراد الاشتراك على تلك المواقع، وإنشاء حسابات خاصة بهم وجني الأرباح. لكنّ المختلف هنا، أن ما سيتلقونه من بدل، سيكون على هيئة العملات الخاصة بالموقع. كما أن الأفراد الذين يريدون مشاهدة ما يعرضه الموقع، يجب عليهم امتلاك العملات في محافظهم الرقمية. وبالإضافة إلى ذلك، سيكون هناك مزاد على «NFT». بمعنى أنه يمكن لصناع المحتوى أن يختاروا فيديو أو صورة أو صوتاً لهم، وتوثيقه بشكل «NFT»، ثم بيعه في مزاد مقابل المزيد من العملات الرقمية. والناس في يومنا الحالي، يقتنون الـ«NFT» على أنها ممتلكات أو أصول يمكن لهم بيعها في المستقبل بسعر أعلى. يشبه امتلاك لوحة فنية أصلية، من أجل اعتبارات شخصية أو من أجل إعادة بيعها. الأمور ذاتها هنا، لكنّ المحتوى جنسي.

نسبة لا يستهان بها من مستخدمي المواقع الإباحية حول العالم، لا تشترك فيها كون البطاقة المصرفية تسجّل عمليات الإنفاق


أمر آخر قامت به هذه التقنية، وهو أن نسبة لا يستهان بها من مستخدمي المواقع الإباحية حول العالم، لا تشترك فيها كون البطاقة المصرفية تسجّل عمليات الإنفاق، ما قد يعرّض الشخص أحياناً، إلى مشاكل عائلية أو تصبغه بنظرة سيئة. لكن مع بلوكتشاين، يمكن للأفراد أن يشتروا عملات مثل «بتكوين» أو «باينانس كوين» أو «إيثيريوم» من بطاقاتهم المصرفية، ثم يقوموا بتحويل تلك العملات إلى التوكنز الخاصة بالمواقع الإباحية عبر محافظهم الإلكترونية.

الميتافيرس
في مقال نُشر على موقع «فايس»، يتحدث بإسهاب عن ظاهرة «Time To Penis» داخل عالم ألعاب الفيديو. وهي تعني الوقت الذي سيستغرقه اللاعبون لصنع شكل العضو الذكري داخل اللعبة، سواء بهدف إهانة لاعبين آخرين أو من أجل مجرد الضحك على الفعل. يشير المقال، إلى أنه لا يمكن للـ«ميتافيرس» أن يستقبل ذات يوم كل هؤلاء البشر، ولمدّة ساعات متواصلة يومياً، من دون أن يفكر أحدهم في البحث عن خدمات جنسية أو أقلّه محتوى جنسي. وإن كان «الميتافيرس» سيصبح هو الإنترنت الجديد، لا يمكن لشركات مثل «ميتا» (فايسبوك سابقاً)، أن تضع معاييرها التي تعتمدها في «فايسبوك» على عالم رقمي موازٍ. وصحيح أن «الميتافيرس» المتخيّل والمراد له أن يكون قبلة المستخدمين في المقبل من السنوات لم يجهز بعد، إلا هناك بالفعل ألعاب فيديو مشابهة، مثل «سِكِند لايف» (Second Life)، حيث يمكن للمستخدمين أن يتواجدوا بشكل «أفاتار» يختارونه، ويستطيعون التواصل داخل اللعبة، وحتى الذهاب إلى ملاهٍ أو ممارسة الجنس. لكن ما يعيق هذا الأمر فعلاً، هو كيف يمكن نقل الإحساس بما يلمسه المستخدم داخل الميتافيرس إلى جسده الحقيقي. وهنا تتطور الأمور بسرعة، إذ تعمل شركة «ميتا» على صنع قفازات تعالج تلك جزءاً من تلك المشكلة، فيما تقوم شركات أخرى بصنع بذلات للجسم كله.