يقول أحد أساتذة الزراعة البيئية المستدامة في الجامعة اللبنانية: «مع وجود خبرات لبنانية لا يُستهان بها في مجال الزراعة العضوية، ومقاييس لبنانية أيضاً معتمدة في هذا النوع من الزراعات، يمكن استثمار أراضي الدولة (المشاع) في الزراعة العضوية، ولا سيما أنّ في لبنان تنوّع طبيعي وتربة خصبة تسمح بإنتاج زراعات عضوية». ورغم وجود هذه الفرصة، وانتشار مفهوم الزراعة العضوية في لبنان كردّ فعل على المخاوف البيئية الناتجة من الآثار السلبية للممارسات الزراعية التقليدية التي تهدّد صحة الإنسان، إلّا أنه لم يتم تنظيم قطاع الزراعية العضوية بشكل هادف. فالمشروع الذي أعدّته وزارة الزراعة عام 2005 «القانون الوطني للزراعة العضوية»، لم يصدر بتشريع من مجلس النواب، ما دفع وزارة الزراعة إلى الاستعاضة عنه بقرار وزاري بتاريخ 21/11/2011 رقمه 1/1033 ينظّم قطاع الزراعة العضوية إلى حين صدور القانون الخاص بهذه المسألة.يلفت المهندس الزراعي نبيل أبي خير، إلى أنّ «معالجة أزمات القطاع الزّراعيّ والمزارعين في لبنان تحتاج إلى التّحوّل التّدريجي نحو الزّراعة العضويّة». فهذه الزراعة بحسب تعريف هيئة الدّستور الغذائيّ المشتركة بين منظّمة الأغذية ومنظمة الصحة العالمية هي: «النظام الشامل لإدارة الإنتاج الذي يعزّز سلامة النظام الإيكولوجي الزراعي بما فيه التنوع والنشاط البيولوجي في التربة، ويركّز على استخدام أساليب الإدارة بدلاً من المدخلات غير الزراعية والمواد المصنّعة». وهذا التحوّل لا يتم من تلقاء نفسه، بل يتطلّب رؤية واضحة. هنا يأتي دور وزارة الزراعة. بحسب أبي خير، فإنّ هذا التّحوّل يجب أن يتمّ وفق خطّة تعدّها وزارة الزّراعة بالتّعاون مع التّعاونيّات الزّراعيّة عبر استصلاح الأراضي المهملة في المناطق، وتعميم ممارسة الزّراعة العضويّة على المزارعين. بمعنى أوضح، يتطلّب الأمر توسيع رقعة المساحات الزراعية وتخصيصها للزراعة العضوية. والمساحات متوافرة في «مشاع» الدولة، إذ تُشير إحصاءات المديرية العامة للشؤون العقارية، إلى أنّ الدولة اللبنانية تملك 60480 قطعة أرض بمساحة 859.6 مليون متر مربع يتمركز 85% منها في بعلبك والهرمل والبقاع الغربي وزحلة والجنوب والشوف وجبل لبنان.
في ظلّ غياب التنظيم إضافة إلى بنية اقتصاد مهيمنة، ما زال عدد المشغّلين في قطاع الزراعة العضوية لا يتجاوز 170 مشغلاً، وفق إحصاءات وزارة الزراعة. وغالبية هؤلاء اتخذوا قرار الانتقال إلى الزراعة العضوية، بشكل فردي. يلفت المزارع جمال الحسنية، وهو مجاز في إدارة الأعمال، إلى أنّ «قرار الزراعة عضويّاً اتّخذه بناءً على مرض ابنه الناجم عن إرضاعه حليب الأطفال المصنّع». ويقول إنه بدأ الزراعة عضوياً «لتأمين حاجات عائلتي منذ خمس سنوات، واليوم باتت مزروعاتي مطلباً في السوق». ويعتمد الحسنية على عدّة وسائل عضوية في زراعته، منها الزراعة المترافقة التي استخدمها أجدادنا القائمة على زراعة أي نوع من المزروعات إلى جانب أحد الأزهار المرافقة (الحبق، الريحان، الهليون والقطيفة،...). ويعزو ذلك إلى أنّ «الزّراعة المترافقة تحمي المزروعات الأكثر حساسية تجاه الظروف المناخية، وتكافح الآفات عبر جذب الحشرات النافعة التي تقضي على الحشرات الضارّة». لا يكتفي الحسنية بالزراعة عضوياً بل يقوم بتربية حيوانات الماعز والغنم والدجاج والحمام عن طريق الرعي الطبيعي بالعلف البلدي (الفصّة، الباقية، البرسيم، الشعير، القمح والذرة).
الحسنية لم يكن وحده من اتخذ قراراً كهذا، فالمزارع حسام ملاعب، يزرع عضوياً في بستانه منذ خمس سنوات. يقول: «بدي طعمي ولادي وأهلي وزبايني أكل صحي». يؤمّن الأسمدة الحيوانيّة من مزارع الدجاج والأبقار، فيقوم بتعقيمها وتعريضها للشمس لتتنقّى من البذور النباتية غير العضوية في روث الحيوانات. أيضاً ينطلق المزارع فادي يونس من مبدأ «العقل السليم في الجسم السليم» في نشاطه الزراعي: «الأرض والولاد أمانة، بزرع وبسمّد وبسقي عضوي لحافظ عالأمانة». ويُضيف: «انخفاض تكلفة الزراعة بالإضافة إلى تقديم جودة إنتاج زراعي صحي للزبائن، والحفاظ على التربة أهم ما دفعني للزراعة عضوياً».
تُشير إحصاءات المديرية العامة للشؤون العقارية، إلى أنّ الدولة اللبنانية تملك 60480 قطعة أرض بمساحة 859.6 مليون متر مربع


من ميزات الزراعة العضوية أنها «تحافظ على البذور الزراعية الأصلية التي تقلّصت بفعل تهجين البذور المهجنة والمستوردة»، كما يقول الناشط البيئي حسن فقيه. ويلفت إلى أنّ «الزراعة العضوية لا تشكلّ حلّاً بيئياً فحسب، إنّما تسهم في خلق فرص عمل، وتخفض الكلفة على المزارعين، كما تُسهم في تحقيق الأمن الغذائي والصحّي للبنانيين». المكاسب من الزراعة العضوية كبيرة أيضاً. فهي تقدّم الحلول لمشكلة النفايات عبر فرزها وتسميدها واستخدامها في العمل الزراعي، وتُسهم في الاستثمار في التنوع البيولوجي للبنان بطريقة ممنهجة، بالاستفادة من الأنهر لتوليد الطاقة والري.



سوق بـ40 مليار دولار في 2007
قالت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة «فاو»، في تقرير عُرض خلال المؤتمر الدولي للزراعة العضوية والأمن الغذائي في روما عام 2007، إنّ «الزراعة العضوية لم تعد ظاهرة خاصة بالبلدان المتقدّمة فقط، بل باتت شائعة تجارياً في 120 بلداً حيث تفوق مساحة الرقعة 13 مليون هكتار في سوق تبلغ قيمته 40 مليار دولار». وأيضاً بحسب «فاو»: «تتوسّع تجارة المنتجات العضوية بمعدل يتراوح بين 15% و20% سنوياً منذ عام 2002، وصار أكثر من 100 بلد يصدّر المنتجات العضوية، كما ينضوي في السوق الدولية للمنتجات العضوية أكثر من 400 هيئة عامة وخاصة».

النموذج الكوبي
استطاعت كوبا أن تزيد الإنتاج الزّراعي في المناطق الواقعة حول العاصمة هافانا، من 500 ألف طن في عام 1991 إلى 5 ملايين طن في عام 2000 بفعل اعتمادها على الزراعة العضوية نتيجة للحصار المفروض عليها