في نهاية شهر كانون الثاني من السنة الجارية، لم تعد قيمة الأموال المتوافرة لدى مصرف لبنان بالعملات الأجنبية، كافية لتغطية الاحتياطات الإلزامية التي يتم ربطها بودائع الدولار لدى المصرف. فالودائع بالعملات الأجنبية، بلغت في نهاية الشهر المذكور، ما قيمته 101.4 مليار دولار، وبما أن نسبة الاحتياطات الإلزامية المفروضة عليها بمعدل 14%، فإنه يجب أن تكون لدى مصرف لبنان احتياطات بالعملات الأجنبية بقيمة حدّها الأدنى 14.1 مليار دولار، لكن بند «الأصول الأجنبية» لديه ليس فيه أكثر من 19800 مليار ليرة حتى نهاية كانون الثاني، أي ما يوازي 13.13 مليار دولار. بالتالي فإن الفجوة في حساب الاحتياط الإلزامي بالعملات الأجنبية تفوق 1 مليار دولار وهي تزداد يومياً مع كل هذه النفقات التي يتكبدها مصرف لبنان دفاعاً عن سعر صرف لليرة مقابل الدولار بقيمة وسطية مقدرة بنحو 20 ألف ليرة.
أنقر على الرسم البياني لتكبيره

نسبة الاحتياطات الإلزامية بالعملات الأجنبية، كانت محور جدال واسع قبل بضعة أشهر. استعمل مصرف لبنان مستوى الاحتياطات الإلزامية من أجل تبرير وقف الدعم. فقد كان يشير إلى أنه لم يعد قادراً على الإنفاق من هذه الاحتياطات لأنه بلغ الحدّ الأقصى المسموح به قياساً على نسب الاحتياطات الإلزامية التي كانت محدّدة بنسبة 15% من مجمل ودائع الدولار وفق التعميم الأساسي 7926. وإلى جانب ذلك، كرّر بأن وقف الدعم بات ضرورياً لأنه يرفض المساس بـ«حقوق المودعين». وراجت في تلك الفترة أن هذه الاحتياطات هي ما تبقى من حقوق المودعين. لاحقاً، وتحديداً في 8 حزيران 2021، أصدر مصرف لبنان التعميم 586 الذي يمثّل خطوة مختلفة نحو التعامل مع الاحتياطات الإلزامية، إذ قرّر المجلس المركزي أن يخفض معدل احتساب الاحتياط الإلزامي إلى 14% بدلاً من 15%. سمح له هذا التعديل بتحرير كمية أكبر من الأموال في بند «الاحتياطات بالعملات الأجنبية». يومها ربط مصرف لبنان استعمال الأموال المحرّرة، بإقرار التعميم 158 الذي يدفع بموجبه الأموال على النحو الآتي: 400 دولار نقداً، 400 دولار على سعر صرف 12 ألف ليرة نصفها في البطاقة ونصفها نقداً. نصف المبلغ بالدولار يقع على عاتق المصارف ونصفها الآخر على عاتق مصرف لبنان. عملياً نحو ربع المبالغ تقع على عاتق مصرف لبنان.
المهم، كانت فكرة تغطية الودائع بالاحتياطات أمراً ضرورياً من أجل تأمين حقوق المودعين، لكن منذ شهر تموز 2021، صارت قيمة الاحتياطات أدنى من النسبة المطلوبة للتغطية بمعدل 14%. لم يعد مصرف لبنان يحترم هذه النسبة ولم يعد قادراً على احترامها، بل واظب على تبديد العملات الأجنبية التي انخفضت بشكل متسارع في هذه الفترة. في الواقع، لم يكن مفاجئاً أن يتصرّف مصرف لبنان بهذه الطريقة، إذ إنه كان يستعمل قواعده لتكسيرها لاحقاً بعد تحقيق أهدافه. هذا يعني أن نسبة الـ14% ليست نسبة ثابتة ونهائية، وأن مصرف لبنان سيقوم في فترة ما لاحقاً بخفض هذه النسبة إلى الحدود التي يرى أنها مناسبة لسياساته، سواء كانت سياسات ذات هدف واضح واستراتيجي بعيد المدى، أو أهداف قصيرة المدى وشخصية تبغى بمجملها لشراء المزيد من الوقت.
ولا يجب أن نغفل أن لدى مصرف لبنان في احتياطاته بالعملات الأجنبية مبلغ 1.1 مليار دولار هو ناتج من حصّة لبنان في صندوق النقد الدولي (الـ SDR). بند «السيولة الأجنبية» في ميزانية مصرف لبنان يفرق عن بند «الأصول الأجنبية» الذي ينشر كل أسبوعين، بمبلغ يوازي قيمة هذه الحصّة، بالتالي فإن المخالفة لنسبة الاحتياطات الإلزامية التي حدّدها المصرف المركزي لنفسه هي أكبر بكثير من فجوة بقيمة مليار دولار، إذ قد تكون 2 مليار دولار وهي تزيد.
حالياً، كل دولار من الـ101 مليار دولار الموجودة في ميزانيات المصارف، باتت تساوي 11.5 ملياراً وفق آخر أرقام صادرة عن مصرف لبنان، لكنها قد تكون أيضاً أقلّ إذا احتسبنا أن أموال الـSDR ضمن سيولته بالدولار، سواء أسماها أصولاً خارجية أم سيولة بالعملات الأجنبية أو مهما كان اسمها. فالمطلوب من مصرف لبنان أن يصدر حساباً شفافاً بهذه الأرقام يميّز بين الـSDR وبين الاحتياطات والودائع حتى نعلم إلى أي مرحلة في الحضيض وصلنا.