هل صحيح أنّ هناك دراسة في وزارة الاقتصاد كانت تقترح دعم 16 سلعة بدلاً من 330؟- بدأ الحديث عن «مجاعة» قادمة بعد أحداث 17 تشرين الأول 2019. يومها طرح الوزير راوول نعمة دعم السلع الغذائية، وأصرّ على الأمر، فاقترحت عليه أن يقوم برنامج الغذاء العالمي (World Food Programme) بدراسة عن السلع والمواد التي يصعب على الأسر الاستغناء عنها، وأن نبحث عن طريقة لاستيراد الكميات من قبل الدولة. وقد نفّذ البرنامج الدراسة بناء على طلب وزارة الاقتصاد، وهي خلُصت إلى تحديد 16 سلعة أساسية يمكن دعمها أو يعدّ دعمها أمراً أساسياً، كما حدّد 5 سلع ثانوية قابلة للدعم. في وقتها، لم يحصل شيئاً، بل فوجئت بعد بلوغي السن القانونية (التقاعد) وخروجي من الوزارة، أنّ قرار الدعم اتُّخذ ليشمل أكثر من 330 سلعة من ضمنهم لوز وكاجو وسلع أخرى ليس لدى المستهلكين القدرة على شرائها حتّى وهي مدعومة بعدما بدأت أساسيات الاستهلاك تستحوذ على الحصّة الأكبر من الدّخل.

طالما أنّ هناك حاجة لدى الأُسر، فهل تعتقدين أنّ فترة الدعم كانت تمثّل تدخّلاً ضرورياً لتلبية حاجات الأسر؟
- لا شكّ لديّ بأنّ هناك عمليات غشّ حصلت. كان بإمكان أي تاجر أن يقدّم أوراقاً مزوّرة لتضخيم الكميات الواردة أو حتى للقيام بأكثر من ذلك. لكنّ المشكلة أنه لم تجرِ أي مساءلة ومحاسبة بعد رغم قدرة الدولة على الوصول إلى كلّ الملفات. فمصرف لبنان لديه كلّ الملفات سواء المتعلّقة بالقيمة لكلّ قطاع، أو لكلّ سلعة، أو لكلّ شركة. المُساءلة أمر ممكن، ولا سيّما أننا لم نشعر بالدعم الذي أنفقنا مليارات عليه، وهنا لا أتكلم عن دعم المواد الغذائية فقط، بل كلّ السلع المشمولة بالدعم. صحيح بأنّ بعض الأسعار كانت تظهر مستقرّة لكن كانت هناك عمليات تهريب داخلي وخارجي أيضاً. المشكلة أننا لا نريد أن نكون شفّافين وواضحين بعكس ما كان يحصل في ملف الدعم في سوريا، على سبيل المثال، إذ كانت لديهم آلية واضحة للدعم، ويعطون الأسر حصّة محدّدة من البنزين. بينما في لبنان كنّا ندعم من يحتاج أو لا يحتاج بلا معايير لأنّ الحكومة التي أنفقت كلّ هذه المليارات مع حاكم مصرف لبنان لم تحدّد أي معايير لهذا الدعم.
كنّا ندعم من يحتاج أو لا يحتاج بلا معايير لأنّ الحكومة لم تحدّد أي معايير لهذا الدعم


كان الدعم خطوة خاطئة اتُخذت بخلفية شعبوية وتحوّلت بشكل أكيد إلى عملية هدر واستفادة بدليل أنه لم تحصل أي متابعة لها بل استمرّ الحديث عن التهريب كأنه أمر عادي. ما شهدناه أنه لم يُتّخذ أي قرار بشكل مدروس ومعمّق، فها هم رفعوا الدعم عن البنزين ولا نعرف ما كانت جدوى هذا الدعم إذا كان سيتم وقفه بشكل مفاجئ. لماذا وضعناه في الأساس؟ لم تكن هناك ضرورة لإنفاق كل هذه الأموال على دعم بلا هدف بل كان يجب إنفاق هذه الأموال على أمر مجدٍ. اليوم نحن نطلب المليارات من صندوق النقد الدولي من أجل نهوض لبنان، بينما كانت لدينا هذه الأموال التي أنفقناها على الدعم بدلاً من النهوض. أما النهوض اليوم، فهو لا يمكن أن يحصل من دون أن يدفع كلّ اللبنانيين الثمن.


هل عُرض موضوع الدعم على المجلس المركزي لمصرف لبنان الذي يكون المدير العام للاقتصاد أحد أعضائه؟
- في ذلك الوقت كانت ولاية نواب الحاكم قد انتهت، وتوقّف المجلس المركزي عن الانعقاد. لكن في الجلسات الأخيرة التي حضرتها قبل آذار 2019، كان حاكم مصرف لبنان يقول أنه لدينا احتياط بقيمة 42 مليار دولار. وكلّما كان هناك حديث عن اقتراب أزمة، كان يردّ بأنّ سبب الهجوم عليه لأنه ناجح. في الواقع، لم يكن ممكناً عدم الوثوق بهذا الكلام لأنّ كل لبنان كان يعتبر أنّ الحاكم هو عبارة عن قصّة نجاح. فإذا ثبُت أنّ الشبهات القضائية حول الحاكم هي صحيحة، الأكيد أننا انغششنا بها.

المديرة العامة السابقة للاقتصاد