أجرت منظّمة الأغذية والزراعة (FAO) بالتعاون مع معهد الاستشارات والبحوث (CRI)، ومجموعة من الخبراء المحليّين والدوليّين، تقييماً لنظام الأغذية في لبنان. امتدّ التقييم على الفترة الممتدة ما بين آب وأيلول من عام 2021، وخلُص إلى مجموعة نتائج أُدرجت ضمن لائحة طويلة جداً، ومن أبرزها:- يُعاني أصحاب الحيازات الصغيرة من عائدات منخفضة وهوامش ربح محدودة للغاية.
- زيادة التحضّر، وما يترتّب على ذلك من هجر المناطق الريفيّة المهجورة يهدّد وجود الأراضي الزراعية بشكل أكبر. الآن، يشكّل سكان الحضر نحو 89% من إجمالي سكان البلاد.
- معظم الحيازات الزراعية تستثمر الحدّ الأدنى من المعدات والبنية التحتية وهي غالباً ما تقتصر على قطع صغيرة من المعدات، مثل مضخّات المياه وغيره. ويرجع ذلك إلى أن الحيازات الزراعية صغيرة الحجم (مؤسّسات متناهية الصّغر)، ما يُعيق وفورات الحجم، ويؤثّر بدوره على توافر وتنوّع الأغذية المنتجة للأسواق المحلية.

50%

من اللبنانيين قلقون من احتمال عدم وجود ما يكفي من الطعام، إلى جانب 63% من الفلسطينيّين و75% من السوريّين النازحين


- تركّز معظم سياسات المياه الحالية على البنية التحتية المادية بدلاً من الإدارة المتكاملة للمياه.
- تعاني البلاد من مستويات عالية من الإجهاد المائي وندرة المياه والاستخدام غير العادل لها بالإضافة إلى تلوّثها.
- يُعتبر نقص المياه وارتفاع كلفة الطاقة وضخّها، ونقص معدات الري من المعوقات الرئيسية للمزراعين.
- معظم شبكات الري لا تعمل ويعتمد المزارعون على الآبار الارتوازية أو المحاصيل البعلية منخفضة الإنتاجية.
- تُعدّ أكلاف الزراعة والأغذية الزراعية مرتفعة بشكل عام، سواء لجهة المدخلات أو الطاقة أو المياه أو النقل أو المعدات.
- تفاقم كلفة الطاقة بسبب الأزمة الاقتصادية الحالية وإلغاء دعم الوقود.
- يُعاني قطاعا العمل والأعمال من مستويات عالية من عدم التنظيم.
- تعتمد أنشطة الزراعة والأغذية الزراعية على العمالة غير الرسمية منخفضة الأجر لتقليل أكلاف الإنتاج وزيادة القدرة التنافسية ما يؤدي إلى مستوى مرتفع من الضعف بين العمال الزراعيين الذين يكسبون مداخيل منخفضة وغير مستدامة ويحدّ من وصولهم إلى طعام آمن ومغذّ، ويؤدي إلى استهلاك المواد الأساسية الرخيصة عالية الطاقة وخاصة الكربوهيدرات والدهون بدلاً من الغذاء الكثيف من الناحية التغذوية.
- يتأثّر المنتجون بشدّة بسبب الافتقار إلى الوضع القانوني للمزارعين بالإضافة إلى الطابع غير الرسمي للوحدات الزراعية بما في ذلك ملكية الأراضي غير الرسمية، ما يضعف مكانة المنتجين ويحدّ من احتمالات الاستثمارات طويلة الأجل لناحية الوصول إلى الأموال وإدخال تقنيات جديدة وممارسات مبتكرة.
- إنّ هيمنة احتكار القلّة إلى جانب أزمة سعر الصرف، جعلتا من الصعب على معظم المزارعين تحمّل أكلاف المدخلات المستوردة (البذور والمعدات والمواد) وقد أدّى ذلك إلى تقليل المساحات المزروعة وانخفاض إجمالي الإنتاج. ويؤدي الاعتماد الكبير على الوقود للريّ، إلى زيادة كلفة الإنتاج ما يحدّ من العرض. يتم أيضاً التحكّم في المعالجة والتوزيع بشكل كبير من قبل عدد قليل من تجّار الجملة الذين يحتكرون السوق. تؤثّر هذه التبعية على توافر الغذاء وإمكانية الوصول إليه ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وانخفاض الجودة ومحدودية الأصناف.
- أدّت السياسات النقدية والمالية المعمول بها إلى انخفاض قيمة العملة والتضخّم المفرط، ما أثّر على قدرة الأسر على الوصول إلى الغذاء.

هيمنة احتكار القلّة إلى جانب أزمة سعر الصرف صعّبا على معظم المزارعين تحمّل أكلاف البذور والمعدات والمواد


- أدّت قرارات إلغاء الدعم الأخيرة إلى تفاقم الوضع، ما ضاعف انخفاض القوّة الشرائية للمستهلكين وزاد مخاوف الأمن الغذائي لجهة توافر الغذاء والوصول إليه والاستفادة منه، ولا سيّما الفئات الأكثر ضعفاً. كما فاقمت إجراءات الإغلاق التي فُرضت خلال الجائحة والأزمة الاقتصادية المتفاقمة من معاناة اثنتَين من كلّ ثلاث أسر لبنانية، جاء انخفاض الدخل مقارنة بعام 2019 وجعل واحداً من كل ثلاث لبنانيّين عاطلاً من العمل وخاصة بين الشباب. وفي الوقت نفسه لجأ نحو 10% من الأسر إلى مصادر دخل بديلة لتغطية نفقاتها (المساعدات، أو التحويلات) وقد ارتفعت معدلات الفقر من 28% إلى أكثر من 50% ويتوقّع أن تستمر في الارتفاع.
- 22% من اللبنانيين يعانون من انعدام الأمن الغذائي، فيما أظهر تقييم هشاشة اللاجئين السوريين أنّ نسبة الأسر التي تستهلك تسع مجموعات غذائية أو أكثر كلّ أسبوع، انخفضت بشكل كبير من 74% عام 2019 إلى 44% عام 2020.
وقد لجأ السكان إلى العديد من استراتيجيات المواجهة السلبية لسدّ فجوات الدخل إحداها إنفاق أقلّ على الغذاء، إنفاق المدخرات، طلب المساعدة من الأصدقاء والعائلة واقتراض المال.
- بالنسبة للفئات الضعيفة ذات مصادر الدخل المحدودة يتغيّر مدخول الطعام وتكوين النظام الغذائي وأنماط الاستهلاك باستمرار مع تدهور الوضع. كما أثّر نقص إمدادات الطاقة على القدرة على تخزين الطعام وخاصة اللحوم ومنتجات الألبان. هذه التغييرات في عادات استهلاك الغذاء اللبناني ربما ساهمت في تكوين العبء الثلاثي لسوء التغذية: الوجود المشترك لنقص التغذية ونقص المغذيات الدقيقة، زيادة الوزن والسمنة.
- تتطلب مسألة سلامة الأغذية اهتماماً عاجلاً، إذ توجد مستويات عالية من بقايا المبيدات والتلوّث البكتيري في الغذاء، ما يؤدي إلى تفاقم المشكلات التي تسببها الأمراض التي تنقلها الأغذية.
- الوصول إلى المعرفة والمعلومات والخدمات الإرشادية ذات الصلة محدود. يعتمد المزارعون على مورّدي المدخلات كمصدر رئيسي لتقديم المشورة. تفتقر الحكومة إلى القدرات المالية والبشرية لتوفير الإرشاد الزراعي المناسب وبرامج التعليم والتدريب التقني والمهني (TVET): يركز التعليم العالي على تدريب المهندسين الزراعيين المؤهلين تأهيلاً عالياً بينما تكون الزراعة القائمة على التعليم والتدريب التقني والمهني محدودة. وفقاً لاستراتيجية Mckinsey الوطنية، تعدّ الخدمات الإرشادية المحدودة واحدة من أهم العوائق أمام التنمية الزراعية الفعالة والمستدامة، إذ يؤدي غيابها إلى تطبيق واسع النطاق للممارسات الزراعية غير الملائمة، بما في ذلك الاستخدام غير الرشيد للأسمدة ومبيدات الآفات، والموارد المائية، إلى جانب تقنيات الحصاد وما بعد الحصاد التي عفا عليها الزمن وهي ضارّة.
- النظام التعاوني الضعيف – 5% فقط من المزارعين ينتمون إلى التعاونيات – لا يساعد في ربط المزارعين بخدمات الإرشاد أو الجهات الفعالة الأخرى في السوق، بما في ذلك الصناعات الغذائية الزراعية، ورغم وجود 1238 تعاونية مسجّلة عام 2017، فإن ثلثها فقط قيد العمل، وتتركزّ في الجنوب والنبطية مقابل تركّز بنسبة 7% في زحلة والبقاع الغربي رغم أنّها مناطق ذات إنتاج زراعي مكثّف حيث تسود المزارع المتوسطة والكبيرة، وتشكل التعاونيات الزراعية نصف التعاونيات المسجّلة (51%) وقطاع الأغذية الزراعية نحو ربع التعاونيات الموجودة (27%).
- تفتقر معظم التعاونيات اللبنانية إلى الخبرة أو تُدار بشكل سيء. ونظراً لانخفاض مستويات التمويل لديها، فإن تأثيرها محدود على التنمية المحلية. وينظر عدد كبير من المزارعين والجهات الفاعلة في النظام الغذائي، إلى التعاونيات كقنوات للحصول على المنح من الحكومة أو من المانحين الدوليين.
- يحدّ ضعف وغياب الروابط بين الزراعة والصناعة الزراعية من تنوع الإنتاج الغذائي الزراعي، وبالتالي يؤدي حصرياً إلى منتجات منخفضة التعقيد. هذه الروابط الضعيفة هي أيضاً نتيجة تدني جودة المنتج.
- يؤدي التحضّر إلى تقويض الأنشطة الزراعية، في حين تؤدي التنمية الاقتصادية المحلية المتدنية إلى تحويل المناطق الزراعية إلى مناطق مهجورة وزيادة الضعف في المناطق المحيطة التي تأثرت أيضاً بشدّة بتدفق اللاجئين السوريين.
- أدى غياب التنمية المحلية والإقليمية إلى وتيرة متفاوتة في نمو وتوسّع المنطقة المركزية (الحضرية) مقابل المناطق الطرفية (الريفية) في البلاد، فازداد بذلك فقر السكان في المناطق الريفية.
- تؤدي ممارسات إدارة المياه السيئة وأنظمة الريّ غير الفعّالة إلى خسائر كبيرة في المياه.

42%

هي حصّة الحبوب من النظام الغذائي اليومي للبنانيين، علماً بأنّ لبنان يستورد نحو 80% من الحاجات الغذائية، فيما يستورد 83% من الحبوب


- تؤدي الممارسات الزراعية غير المستدامة وسوء إدارة التربة، إلى انخفاض جودة المنتجات الزراعية. وبالتالي تفاقم تعرّض لبنان إلى تغيّر المناخ وتدهور الموارد الطبيعية.
- أدّى مورّدو المدخلات دوراً حاسماً في تكثيف الإنتاجية الزراعية بين أوائل التسعينيات وعام 2020، ما أدّى إلى زيادة كبيرة في الاستثمار في الزراعة المروية وإنتاج الصُوَب الزراعية التقليدية (البيوت المحمية).
- يُعدّ قطاع الزراعة أكبر مستهلك للمياه في لبنان بنحو 60% من إجمالي المياه المتوافرة. ومع ذلك، فإن نحو ثلثي الأراضي الزراعية لا تزال بعلية، أو تعتمد على الري التكميلي (مرة أو مرّتين في السنة).
- تظل الآبار الإرتوازية المصدر الرئيسية للري لنحو 60% من الأراضي المروية وهذه الآبار هي ملكية خاصة، وغالباً ما تُباع المياه للمزارعين المجاورين، تُدار الينابيع وقنوات الري التقليدية (40% من الأراضي المروية) بشكل جماعي من خلال نظام تقليدي لحقوق المياه يعود إلى العهد العثماني.
- إنّ ملوحة المياه هي مشكلة في المناطق الساحلية، إذ تسبّب الضخّ المفرط للمياه الجوفية للاستخدامات الزراعية والمنزلية في تسرّب مياه البحر وتلوّث المياه. إنّ استخدام الكيمياويات الزراعية، وكذلك النفايات المنزلية والصناعية، في مجرى الليطاني وحوضه أدّيا إلى تلوّث مياهه والعديد من مصادر المياه السطحية الأخرى في لبنان. ما يؤثر سلباً على سلامة الأغذية بشكل عام، لجهة الإنتاج والجودة، ويقوّض الروابط مع الصناعة الزراعية لعدم امتثالها للمعاير المطلوبة.
- غالباً ما يؤدي هذا الوضع إلى الإفراط في الإخصاب الاصطناعي للأراضي المستأجرة، ويطال جميع الحيازات الزراعية بسبب الممارسات الخاطئة المزمنة، مثل الزراعة الأحادية والاستخدام غير الرشيد للأسمدة وممارسات الري غير المناسبة والحرث المفرط في المناطق الجافة، ما أدى أيضاً إلى انضغاط التربة وتآكل التربة.
من المرجح أن تؤدي ممارسات إدارة التربة والمياه غير المستدامة إلى زيادة تعرّض البلد لتغير المناخ، ولا سيّما التأثير على قطاع الزراعة. ومن المتوقّع بالتالي أن يتسارع تدهور ظروف التربة والتنوع البيولوجي وندرة المياه بمرور الوقت.
- قد يكون اعتماد القطاع على هطول الأمطار سبباً في انخفاض الغلّات وزيادة الطلب على الري، ما قد يسرع في التصحّر. وهو بدوره يمكن أن يقلّل بشدة من القدرة الاستيعابية لأراضي الرعي. إن الافتقار إلى الوصول للموارد المالية المخصّصة للتخفيف من آثار تغيّر المناخ والقدرات المحدودة للجهات الفعالة الخاصة والعامة من شأنه أن يحدّ من قدرة الاستجابة في مواجهة التحديات المتزايدة التي تفرضها التربة الجافة والطلب على المياه.