في العقود الماضية، كان النفط هو محور الصراع العالمي. الذهب الأسود كما سمّوه. وكان مورداً استراتيجياً بالغ الأهمية. إنما مع القفزات التكنولوجية وازدياد نسبة الاقتصاد المعرفي من الاقتصاد الكلي، باتت الشرائح الإلكترونية هي النفط الجديد. في تقرير نشرته «فايننشال تايمز»، يقول بات غيلسنغر، الرئيس التنفيذي لشركة «إنتل»، أكبر صانع للشرائح الإلكترونية في أميركا، إن موقع تواجد النفط حدّد الجغرافيا السياسية في العقود الخمسة الماضية، لكن مصانع إنتاج الرقائق ستشكل العقود الخمسة التالية «هذه هي الجغرافيا السياسية الجديدة». وقال أخيراً في مؤتمر في أسبن، إنه بينما أنشأت أميركا صناعة أشباه الموصلات في البداية، فإن 80٪ من الإنتاج موجود حالياً في آسيا.
أنقر على الرسم البياني لتكبيره

لا تملك أي دولة معرفة كاملة بهذه الصناعة أو بالموارد التي تحتاجها. هي مثل أحجية «بازل». القطع تصنّع في كل أنحاء العالم. لكن، مع توقف سلاسل الإنتاج والتوريد خلال فترة تفشي كورونا، وانقطاع موارد أساسية مثل غاز النيون الذي تنتجه أوكرانيا بسبب العملية العسكرية الروسية، وخوف الولايات المتحدة من قيام الصين بإعادة ضم تايوان موطن شركة «TSMC» التي يسيطر على غالبية إنتاج الرقاقات البالغة الدقة... كل ذلك، فرض إعادة تشكيل هذه الصناعة في مسعى لجعلها بعيدة عن الاضطرابات وقريبة من عجلة الإنتاج الغربية.
بهذه الخلفية، اندفعت الولايات المتحدة منذ العام الماضي، نحو تقليص حجم الإنتاج الآسيوي وتوطينه في الداخل الأميركي، أو أقله وضعه في بلدان تحت عباءتها. والأسبوع الماضي، اتخذ مجلس الشيوخ الأميركي خطوة رئيسية نحو تمرير مشروع قانون يهدف إلى تمويل بقيمة 52 مليار دولار لصناعة أشباه الموصلات في الولايات المتحدة. مشروع القانون يدعى «CHIPS for America Act»، ويرمي إلى جعل الولايات المتحدة أكثر قدرة على المنافسة مع الصين، من خلال تخصيص حوافز لصانعي أشباه الموصلات من أجل بناء خطوط إنتاج الرقائق في الولايات المتحدة ما يدفع مستويات الإنتاج المحلية صعوداً بعدما انخفضت إلى أقل من 12٪ راهناً.
لكن بحسب موقع «جايكوبن»، لا يوجد شيء في مشروع القانون ما قد يتطلب من شركات مثل «إنتل» استخدام الأموال فعلياً في البحث والتطوير المحلي. وهذا يعني أن الشركات يمكنها بدلاً من ذلك منح الأموال للمساهمين من خلال توزيعات الأرباح وإعادة شراء الأسهم. وفي الأسبوع الماضي، أعلنت «إنتل» عن توزيع أرباح ربع سنوية على أسهم مستثمريها. ويضيف التقرير، أنه من غير الواضح على الإطلاق إذا كانت الإعانات الضخمة للقانون ستحفز الاستثمار المحلي. إذ تضغط «إنتل» ضد بند في مشروع القانون يقول التالي: «تمنع الشركات التي تتلقى تمويلاً من مشروع القانون، من بناء أو توسيع مرافق أشباه الموصلات المتقدمة في الصين». من هنا، من المحتمل أن تفشل هذه الخطوات الأميركية لرفع نسبة الإنتاج المحلي من الرقاقات، إذا بقي متروكاً لقوانين السوق.