تحذو مصر حذو أوروبا في تقليص استهلاكها من الغاز الطبيعي، إنما لأسباب مختلفة. ففيما يكمن الهدف الأوروبي في الحدّ من استهلاك الطاقة تحسّباً لتوقّف تدفقات الغاز الروسي إليها في الشتاء، تعيش مصر أزمة انخفاض تدفقات العملة الأجنبية التي فرضت عليها قسراً خفض استهلاك الغاز المنتج محلياً لإفساح المجال أمام زيادة التصدير منه بهدف تسديد الديون. عملياً ستقلّص من حاجات ورفاهية المصريين من أجل خدمة الدين الخارجي.على مراحل، اضطرت مصر أن تخفض قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار. فالسوق لم يعد يتحمل سعر الدولار البالغ 16 جنيهاً، ما جعل المصرف المركزي يخفّض سعر العملة الوطنية إلى أكثر من 18 جنيهاً للدولار الواحد. أشارت التحليلات في ذلك الوقت إلى أن انخفاض قيمة العملة سببه رفع أسعار الفائدة الأميركية ما أدّى إلى هجرة رؤوس الأموال الأجنبية في مصر إلى الخارج، ونتج من ذلك ضغط على قيمة العملة المصريّة. تزامن ذلك مع اندلاع الحرب الروسيّة-الأوكرانيّة، التي أسهمت في ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء حول العالم، والتي أسهمت في زيادة الضغوط على احتياطات مصر بالعملات الأجنبية، التي بلغت 33 مليار دولار في تموز الماضي، وهو أقل مستوى منذ عام 2017، وذلك بسبب ارتفاع كلفة الاستيراد، علماً أن مصر دولة مستوردة (أي أن وارداتها تتجاوز صادراتها).

60%

هي حصّة الإنتاج المحلّي للكهرباء من إجمالي إنتاج الغاز الطبيعي في مصر، وهي نسبة تحاول الحكومة المصرية أن تخفضها بهدف تصدير المزيد من الغاز الطبيعي


عقب هذه الضغوط، تحاول مصر اليوم الوصول إلى اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي، بهدف إعادة الاستثمارات إلى البلد، بالتالي تدفقات رأس المال الأجنبي، لتخفيف الضغوط على العملة. لكن شروط صندوق النقد الدولي، الشبيهة بشروط الاتفاق السابق، ستأتي ثقيلة على الشعب المصري. فالصندوق يشترط خفض قيمة العملة بشكل إضافي، ورفع الدعم عن المحروقات، وهو أمر يزيد العبء على الشعب، خصوصاً مع ارتفاع الأسعار العالميّة.
لذا، تحاول مصر، تحسين أوراقها التفاوضية مع صندوق النقد، من خلال تحسين أرقام حساباتها الخارجيّة، عبر زيادة صادرات الغاز. ولكن لتحقيق ذلك، تتجه مصر إلى خفض الاستهلاك الداخلي للغاز، عبر سلسلة إجراءات تقشفية في استهلاك الطاقة المنتجة بواسطة الغاز المصري. ومن أبرز هذه الإجراءات تخفيف الإضاءة في الملاعب الرياضيّة والحدائق العامّة والشوارع، ورفع درجات الحرارة في المراكز التجاريّة إلى 25 درجة. وقد قامت مصر، منذ شهر تشرين الأوّل الماضي، باستبدال الغاز الطبيعي في بعض معاملها الحراريّة، بمادة المازوت، بهدف خفض استهلاك الغاز، وهو ما أسهم في توليد إيرادات إضافية من تصدير الغاز بنحو 100 إلى 150 مليون دولار شهرياً.
عملياً، تقوم الحكومة المصريّة، بهدف تأمين المزيد من تدفقات العملة الأجنبيّة إلى البلد، بتحميل العبء للشعب المصري وحرمانه من جودة الخدمات ومستوى الرفاهية البسيط الذي كان ينعم به. وهي رفاهية سيتم ضربها بشكل أكبر إذا ما قامت بتنفيذ شروط صندوق النقد لإبرام اتفاق جديد معه. المعادلة ستصبح حرمان مصر من الخدمات من أجل تسديد الديون الخارجية.