في شهر رمضان الماضي، كانت أبرز العناوين المطروحة درامياً هي الخيانة الزوجية، وترويج المخدرات والسلاح، والكثير الكثير من التابوهات. اللافت بين هذه المسلسلات كان «الهيبة» (كتابة هوزان عكو، إخراج سامر البرقاوي) الذي أخذ الرواج الأكبر بين المشاهدات والأصداء والتأثّر الكبير بشخصيات هذا العمل. لا شكّ أنّه عمل متقن من الناحية الفنية والتنفيذية واختيار الممثلين، وهو جانب افتقده مجتمعنا منذ زمن بسبب الإهمال وتقضيل «الصحبة والمحسوبيات».
يمكن القول إنّ إخراج عمل ما ونجاحه مرتبطان بالتفاصيل بشكل وثيق، وهذا ما افتقده هذا العمل رغم الميزانية المرتفعة التي رصت له.
لكن من تابع مسلسل «ناركوس» (شبكة «نتفليكس») الذي يتمحور حول زعيم المافيا وتاجر المخدرات الكولومبي بابلو إسكوبار الذي تجنّدت الإستخبارات الأميركية للقبض عليه، ويعتني بأهل منطقته ويساعد فقراءها، يرى التشابه بينه وبين «الهيبة». لكن لماذا لم يحقق المسلسل اللبناني ــ السوري النجاح نفسه الذي حققه المشروع الأجنبي؟ يكمن نجاح «ناركوس» في الطريقة الإخراجية المترابطة التي عمل عليها المخرج البرازيلي خوسيه باديلا حتى تكون تفاصيل وروحية العمل كلها مرتبطة ومتماسكة، ما يدفع المشاهد إلى التعلق بالعمل والشخصية الرئيسية لدرجة تبرير كل التجاوزات والقتل والتدمير...
بداية، لا يمكن لعمل أن يتحاشى موضوعاً مهماً وأساسياً هو جغرافيا أحداث المسلسل، خصوصاً أنّها محدّدة بالقرية الوهمية التي تسمى «الهيبة» عند الحدود اللبنانية ــ السورية. فاللبنانيون وجزء كبير من العرب، يعلمون أن طبيعة المنطقة البقاعية وجرودها بالأخص هي منطقة ذات طابع صحراوي وتخلو من الأشجار تماماً. غير أنّ القائمين على العمل قدّموا لنا منطقة كثيفة الأشجار ليقولوا لنا إنّ هذه هي منطقة البقاع الحدودية، مما شكل حاجزاً عند المشاهد.
حركة الكاميرا في مسلسل «الهيبة» بعيدة كل البعد عن المضمون. الثبات في الكادرات لا يشبه جوّ العمل ككل، وحبّذا لو استطعنا رؤية شخصية «جبل» عن قرب والتحرّك معها وحركات عيونها وتعابير وجهها...
أما في المسلسل الأجنبي، فكان الكادر دائم الحركة مع الأحداث المتصاعدة (handheld)، مشابهاً لجو المسلسل الذي يضع المشاهد في موقع المترقب والمتحمس والمندمج مع الأحداث.
في ما يتعلق بمشكلة السيناريو، فبعد المد والجزر بين المشاهد والأحداث، يتوقف فجأة ليتحوّل إلى ركود في الأحداث إلى درجة الملل. حتى أنّ الموسيقى التصويرية لا تشبه الطبيعة البقاعية إطلاقاً.
جميلة هي الحبكة المتعلقة باللكنة السورية التي أورثتها الأم الشامية لأبنائها بسبب تعلّقّها الشديد بأرضها، لكن واجهنا مشكلة مع اللكنة البقاعية التي لم نلمسها كثيراً مع بعض الاستثناءات التي تمثّلت بأنباء المنطقة أمثال عبدو شاهين الذي أدّى دور «شاهين». علماً بأنّ الفنان السوري سامر كحلاوي (الدبّ) بذل مجهوداً يُحسب له في تحدّث اللجهة البقاعية أيضاً!
في نهاية المسلسل، علمنا أنه يوجد جزء ثان، لكن السؤال هنا: لماذا لم يقطع المخرج مسلسله بعد مقتل «شاهين» مباشرة، بل أعطانا كل الحلول وكانت النهاية السحرية والسعيدة غير المنطقية. وماذا عن حركة الكاميرا المهتزّة في المشهد الأخير؟ هل من المقبول من هكذا مسلسلات أن تكون الحركة سيئة إلى درجة الإزعاج والتشويه؟
رغم المشكلات، لا يمكن إلا التنويه بنجاح إدارة الممثلين وأدائهم الجميل والراقي وبالأخص عبدو شاهين الذي أعطى دوره حقه، إلى درجة دفعت كثيرين إلى مقارنته بالشخصية الرئيسية. وفيما نجح كحلاوي في تجسيد «الدب» بواقعية، يبقى التقدير الكبير للممثلة منى واصف التي علمنا أنّها كانت غير مرتاحة صحياً اثناء التصوير وأدت كل هذا الأداء العظيم.