في لقاء مع منتج الفيلم ومؤلف موسيقاه خالد مزنر، تحدث الأخير عن العرض ومفهومه وفكرته: تُكتب موسيقى الأفلام عادةً لكي تخبر ما لا يمكن للصورة أن تخبره. وقلما تؤدى الموسيقى التصويرية من دون الصورة التي كُتبت لها. هي هنا لتواكب الصورة أو العمل أو فعل معيّن. أنا من مدرسة تميل إلى الألحان وإلى الموسيقى التي يسهل تذكرها. موسيقى الفيلم الناجحة هي تلك التي تبقى حيّة بعد الفيلم وتُشعِر المستمع بالرغبة في إعادة مشاهدة العمل. وأداء الموسيقى التصويرية يكون أكثر سهولة إجمالاً عندما يرافق الصورة التي كتبت لأجلها. وهذا ما سيحصل خلال الحفلة التي نقدمها في بعلبك. ستُبث المشاهد على أحد جدران معهد باخوس لأنني فضلت ألا تكون هناك شاشة وألا تكون المشاهد واضحة جداً لأن الناس لم يشاهدوا الفيلم بعد».ماذا عن عملية تأليف الموسيقى في «كفرناحوم» والفرق بينها وبين الأفلام السابقة التي سبق وعمل عليها مزنر؟ في هذا الصدد، يجيبنا: «موسيقى هذا العمل مختلفة عن موسيقى الأفلام السابقة. فهو فيلم حقيقي وقريب من الوثائقي. لم يكن يحمل ألحاناً أو عواطف كبيرة لأنني شعرت أنني أخون حقيقة الشخصيات التي تعيش هذه الحالة. كما أن نادين لم ترغب في أن تكذب، بل أن توصل الحالة بحقيقتها. فالموسيقى التصويرية تعزز الكذب أحياناً. الفيلم جاف من الموسيقى ولكن في أماكن معيّنة وخصوصاً في المشاهد الشاعرية، أدخلنا الموسيقى، وهو ما سنسمعه في الحفلة». بالنسبة إلى التوزيع الموسيقي وعن الاختلاف بين ما نسمعه في الفيلم وما سيكون في الأمسية، يقول الفنان: «في الفيلم شخصية أثيوبية. وهذا ما جعلني أستعمل آلات أثيوبية كثيرة. كما سيكون هناك فنانون أفريقيون على المسرح من مالي وأثيوبيا. خلطت الموسيقى العربية والأفريقية. يتخلل الأمسية أداء لأغنيتين، إحداها من أداء فنان أثيوبي ونسمعها في الفيلم، والأخرى ستقدمها رشا رزق التي غنّت معي في أفلام سابقة. علماً أنها أغنية لا نسمعها في العمل السينمائي. ستكون خلطة بين الآلات الأفريقية والموسيقى العربية، وهناك أيضاً مشاركة لـ «جوقة القديسة رفقا» لأن الموسيقى تحفل بالغناء الكورالي كذلك».
فور انتهائه من العمل على موسيقى الفيلم، سينكب مزنر على إنجاز ألبوم غنائي بالفرنسية خاص له كما يخبرنا. لكن العمل على موسيقى الفيلم أمر يستغرق الكثير من وقته: «التركيز حالياً هو على تحويل موسيقى لا تتعدى الـ40 ثانية ومرافقة لصورة أو مشهد ما إلى مقطوعة تبلغ نحو 5 دقائق، تكون الأوركسترا قادرة على أدائها وقابلة لأن توضع في أسطوانة أيضاً».
بطبيعة الحال، تأدية خالد مزنر دور المنتج والمؤلف الموسيقي في الوقت عينه كان له أثر كبير في طريقة العمل هذه المرة. بالعادة، كان ينتهي من تأليف الموسيقى في الوقت الذي تنهي فيه لبكي تصوير أفلامها. أما هنا، وبحسب أقواله: «لم يكن لدي الوقت. كنت غارقاً في الإنتاج والتمويل وفي التركيبة التي كنت أتعلمها. إنها المرة الأولى التي أنتج فيها فيلماً وكان ذلك للضرورة. لم يكن أحد لينتج فيلماً بهذا الطول وكمية التصوير، كما استغرقت مرحلة ما بعد الإنتاج الكثير من العمل والوقت. فأنجزنا كل شيء بالقرب من المنزل، وأمّنا الاستديو والمكتب، وكان من الضروري أن أكون المنتج. لم أستطع أن أنتهي من الموسيقى هذه المرة مع التصوير، خصوصاً أن العمل طويل جداً، امتدّ على 12 ساعة في المونتاج الأول. كانت لديّ أفكار وألحان معيّنة للشخصيات. فهكذا أبدأ بتركيب البازل. أضع ألحاناً للشخصيات ثم من هذه الألحان، أذهب إلى الموسيقى التصويرية بما يمليه عليّ النص. عندما باشرت العمل على الموسيقى، كنت أعتقد أن الفيلم يحمل الكثير من الموسيقى. إذ فيه فيض من المشاعر، فكتبت موسيقى عاطفية. ولكن عندما شاهدنا الفيلم، اتضح لنا أنه حقيقي ولا يحمل هذا القدر من الموسيقى. وكلما كنت أكتب موسيقى مرافقة لشخصية ما، شعرت أن هناك ما ليس ملائماً. كأنني أرى شخصاً يعيش حالة حقيقية وأسعى إلى مفاقمة هذه الحالة بالمشاعر. فاتخذنا قراراً يقضي بأن نجعل الموسيقى ترافق المشاهد الشاعرية الخيالية. أما المشاهد الحقيقية، ففضلنا أن تخلو من الألحان. كل هذه العملية استغرقت الوقت ولم تكن تشبه عملنا في الفيلمين السابقين».
الأمسية تمزج بين الموسيقى العربية والأفريقية


أما من ناحية التأثيرات الموسيقية والأنماط الموجودة في العمل الموسيقى، فيقرّ مزنر أن هناك الكثير من التأثير الأفريقي، وسببه وجود الشخصية الأثيوبية في الفيلم. كما أن هناك تأثراً بالموسيقى الكلاسيكية المعاصرة: «لا يمكن التعرّف إلى اللحن. وأول ما يخال المرء نفسه قادراً على التعرف إليه، يهرب إلى مكان آخر. الكثير من المشاهد لا يتحمل لحناً يمكن تذكّره. هناك موسيقى معاصرة كلاسيكية وموسيقى دينية وجوقة تؤدي ألحاناً دينية ولكن بطريقة معاصرة. فلا يتبع التوزيع الهارموني للمطقوعات أي نَغَميّة معينة (Tonalité)».
تستضيف الحفلة نحو 30 موسيقياً، يتوزعون بين الجوقة التي تتألف من 16 شخصاً، وأوركسترا آلات وترية من لندن إضافة إلى موسيقيين منفردين يعمل معهم مزنر عادة ويأتون من بلدان مختلفة. كما سيكون هناك حضور لمغنيين وموسيقيين أفريقيين. استعمل الموسيقي آلة أثيوبية تشبه الربابة اسمها «ماسينكو»، سنسمعها في الأمسية في أداء مشترك مع عازفي ربابة على مقطوعة كلاسيكية.
الأمسية تندرج في إطار خيري، وليس هناك مشروع بعد لتقديمها ثانية في لبنان. إلا أن مزنر سيجول بالحفلة في عدد من البلدان، مثل إسبانيا وإيطاليا وكذلك فرنسا والولايات المتحدة تزامناً مع صدور الفيلم هناك.
تعود علاقة الفنان بالأفلام والموسيقى التصويرية إلى عمر الـ17: «لطالما كنت أستمع إلى الموسيقى وأتخيّل الصور. أظن أن الأمر كان طبيعياً. فترعرعت مع أصدقاء درسوا السينما وكنت أنجز لهم موسيقى أفلامهم في الجامعة. كما أنني أحب السينما كثيراً. ولكي يصنع المرء موسيقى أفلام، هناك شرطان: أولاً أن يحب الموسيقى الكلاسيكية وثانياً أن يحبّ السينما. هناك الكثير من الشباب الذين يسألونني أي مؤلف موسيقى أفلام يجب الإصغاء إليه؟ أجيبهم أن عليهم أن يصغوا إلى موسيقى كلاسيكية وليس إلى موسيقى أفلام فحسب».