منذ تخرّجه من «المعهد العالي للفنون المسرحية»، ظلّ الممثل السوري فادي صبيح يحفر على مدار عشرين عاماً في الصخر، حتى حاز مكانة يستحقها اليوم. عبر زمن طويل، أطّل نجم «ضيعة ضايعة» (ممدوح حمادة والليث حجو) في أدوار الصف الثاني. لم تكن لديه مشكلة في مساندة نجوم يلعبون البطولة المطلقة، لكنّه كان يعرف كيف يصوغ من مادته الفنية مهما بلغت مساحتها، دوراً متقدماً وملفتاً. على سبيل المثال، اعتاد «أبو نوّار» أن يكون واحداً من نجوم المشروع الكوميدي الناقد «بقعة ضوء» (مجموعة كتّاب ومخرجين). كذلك تمكّن من تسجيل اسمه بماء الذهب عندما أدّى دور «أبو مقداد» في ثلاثية «الولادة من الخاصرة» (سامر رضوان ورشا شربتجي وسيف الدين السبيعي). الشخصية المركبة بمتناقضات حادة، والمتغيّرة جذرياً وفق معطيات حضورها بين الفينة والأخرى، تحوّلت لازمتها الكلامية «لا تخشى شيئاً» إلى جزء من يوميات السوريين أثناء عرض المسلسل. أما في الموسم الأخير فقد اختلفت الحياة المهنية مع صبيح، بعدما قرر المخرج الفلسطيني السوري سمير حسين أن يمنحه دور بطولة مطلقة في مسلسله «فوضى» (كتابة حسن سامي يوسف ونجيب نصير) فكان ابن مدينة جبلة الساحلية على قدر المسؤولية، وأدى شخصية «أبو الخيل» بمنتهى البراعة الجليّة. هكذا، جسّد الحامل الرئيس لأنجح الأعمال المحلية هذا العام، وأظهر مقدرات تمثيلية عميقة، ولعب بإجادة واضحة في خطوط درامية متنافرة، لكن بخطوات رشيقة، بين مطرح يخصّ «البلاك كوميدي» ومكان آخر يعتني بالفتوة والمرجلة، ومكمن ثالث يتعلّق بالحب والمشاعر الإنسانية. «أبو الخيل» كان معادلاً موضوعياً لعبّود «الانتظار» (للكاتبين نفسيهما والليث حجو) واستمرار أدبي بلغة التلفزيون لشخصية «روبن هود» العالمية. وربما أسهم نجاحه الفردي في انتشال العمل من الوقوع في فخ الكليشيه وغياب الحدث المشّوق. هذا اللمعان حفّز الشاعر والإعلامي زاهي وهبي لقطفه في حلقة غالباً ما ستكون مميزة من برنامجه الأسبوعي «بيت القصيد» (على قناة الميادين كل يوم سبت الساعة 20:30).
إذا يطل فادي صبيح في حلقة يوم الغد للحديث عن انطلاقته، ودراسته الأكاديمية والموقع الذي استحقه بعد سنوات الاجتهاد والشغل اليومي المتواصل، إضافة إلى شهادة زملائه والمقرّبين منه بأدائه والمنطق الإنساني الحسّاس الذي يتعامل فيه. الملفت أن الحلقة سجلت قبل حوالي ستة أسابيع، لكن صاحب «خلّيك بالبيت» عرف قيمة المادة التي بين يديه، فقرر تأجيلها لما بعد انتهاء مونديال روسيا 2018 كي تحظى بالمتابعة التي تستحقها!
* «بيت القصيد» غداً على الميادين ــ الساعة 20:30