في فمه «صاروخ حشيشة» ومن أذنه تتدلّى «قنبلة يدوية»، فيما يخرج الكلاشينكوف من الجزء الأيسر لرأسه، مع لافتة كُتب عليها «شتورة ــ بعلبك» تبرز من الجانب الأيمن. تخرج أمور أخرى من رأسه على شاكلة رسوم بالأبيض والأسود تصوّر قلعة بعلبك وقاموع الهرمل وفرقة الدبيكة. هكذا، وبوجهه المليء بالجروح، يعرّفنا عبّاس جعفر على محتويات «الراس البعلبكي» في غلاف أغنيته الأولى التي كتب كلماتها علي المولى ولحّنها جمال ياسين، ووزّعها جمال ياسين بالاشتراك مع أحمد أمين، وهي متوافرة حالياً على القناة الرسمية لشركة «آرابيكا» للإنتاج على «يوتيوب».
كلمات الأغنية بالطبع تتجانس مع الغلاف، إذ تتضمّن جملاً على شاكلة: «اللي بزعلك بمحيلك ياه»، و«برحلة حبي يا قاتل يا قتيل». تكرّس فكرة الممثل الكوميدي الأساسية التي يصرّ على الترويج لها، هو وغيره. صورة البقاعي الذي لا يردعه شيء، وسلاحه الثقيل ملاصق لخصره دائماً، وصاروخ الحشيشة قوت نهاره اليومي، كما أنّه فار من القانون وطافر في الجرود بسيارته ذات الدفع الرباعي. وبين كلّ شطر وآخر من الأغنية، يكرّر عبّاس مع المجموعة عبارة «أنا راسي بعلبكي»... للتأكيد ربما!
أما الجانب السيء الآخر الذي أظهره النجم المشارك في الموسم الحالي من برنامج «ديو المشاهير» (الأحد ــ 20:40 على mtv) هو تعتيم ألوان قلعة بعلبك وقاموع الهرمل وفرقة الدبيكة المرتبطة جميعاً بالهوية الثقافية للمنطقة. فهل يقصد تجاهل التاريخ والحضارة نصرة للمفاهيم الجديدة التي يروّج لها والمؤطّرة بسائق الفان والسلاح المتفلّت والترويج للمخدرات، أم أنّها سياسة محطات تريد تظهير البقاع ــ عنوة ــ كمقاطعة خارج الكوكب تُرتكب فيها كل أشكال التفلت والعصيان؟ أم أنّ اللهاث وراء الـ «رايتينغ» هو المسيطر الوحيد على المحتوى الإعلامي الرديء حالياً؟

هذه التساؤلات لا بدّ من أنّها تدور في بال كثيرين، سيّما أولئك الذين يشاركون حالياً في حملة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي تحت هاشتاغ #لأني_بعلبكي، يستذكرون خلالها أموراً وشخصيات تدعوهم للفخر بهويتهم وتدّل على جوهر أبناء هذه المنطقة وثقافتها المنوّعة.
ليس عبّاس جعفر وحده من سقط في فخ الترويج النمطي الممنهج هذا. فكثيرون غيره اتخذوا هذا المنحى في أعمالهم، وروّجوا بطريقة أو بأخرى لهذه الأفكار عن الجزء الأكبر من المواطنين البقاعيين والبعلبكيين الذين ينبذون كل خارج عن القانون يرعبهم ويسيء إليهم قبل غيرهم، وكل متعاطٍ يلوث بيئتهم وكل مسلّح يرمي أجسادهم.
«الراس البعلبكي» هو مواطن همومه كثيرة، يشغله حال بلده ومستقبل أطفاله وصحته بين حرمان الدولة وتراكم النفايات في جروده وطرقاته المميتة وشحّ المؤسسات الرسمية والدعم المالي والإنماء اللامتوازن. فلتدعوا البقاعي بحاله!