عندما تسلّم زياد الريّس منصب مدير عام «المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي» في سوريا، أطلق مشروعاً اسمه «خبز الحياة». لم نتمكن يومها من فهم ملامحه، بسبب تقصير الجهة الحكومية حينها في شرح جوهره بوضوح وشفافية للإعلام. السبب بحسب الريّس هو الضغوط التي كانت الشركة تعانيها آنذاك و«رغبتي بأن يبصر المشروع الضوء ليتكلّم عن نفسه بدلاً من أن نغرق في السوالف».على أيّ حال، المشروع يحمل وجهة نظر تستحق الاحترام النقدي باعتبار أنه يطيح بالنجوم الذين يبتلعون حصة الأسد من ميزانية الأعمال التي يلعبون بطولتها، من دون أن تتمكّن هذه الأعمال من حجز مكانها على الفضائيات العربية بسبب المقاطعة الحاصلة للقطاع العام السوري. لاحقاً، سيستقطب المشروع أكبر عدد من الممثلين الشباب لينجز بالميزانية نفسها أعمالاً إضافية، ولو أنّها لم تُبع إلا للقنوات السورية. فإن عائدات المؤسسة ستتضاعف، من دون أن يتطلب الأمر زيادة في الميزانية. وبالفعل أنجزت هذا العام مجموعة ربما يبشّر أحدها على الأقل بسوية جيدة. لكن كارثة إنتاجية حقيقية حصلت خلال الأشهر الماضية بالتزامن مع الأزمة الخدماتية المتردية والأداء الحكومي المخجل، تمثّلت في توقف ميزانية المؤسسة. أي أنّه لم تصلها حصّتها من القطع النقدي من الموازنة الحكومية السنوية. وبالتالي، فإنّ غالبية العاملين في الدراما الحكومية هذا العام لم يتقاضوا أجورهم، مما دفع بالكاتب والمخرج زهير قنوع إلى تفجير حالة افتراضية.
نشر قنوع رسالة على مواقع التواصل الاجتماعي وبعث بنسخ منها إلى عدد كبير من الوسائل الإعلامية وللصفحتين الرسميتين لوزارة المالية ورئاسة مجلس الوزراء، سائلاً عن سبب التأخير، وطرح في ختامها تساؤلات واقعية وضعها في ملعب وزير المالية مأمون حمدان، قائلاً: «هل يمكنني أن أرسل صاحب البيت الذي أسكنه ليقبض إيجار بيته من مكتب سيادتكم، ثم هل يمكنني إرسال فواتير مصاريف حياتي إلى محاسبكم ليتصرّف؟ كيف يمكننا النهوض والإبداع في هذا الحال غير المسبوق من الضغط، وهل المطلوب هو إحباط مشروع «خبز الحياة»؟...». تحوّل التعليق إلى «ثورة افتراضية» حقيقية انضم اليها بعض نجوم الدراما السورية، من بينهم النجم محمد قنوع، والمخرج والممثل سيف الدين السبيعي، والمغنية والممثلة نورا رحّال، بالإضافة إلى الممثلين الشباب: ياسر البحر وماجد عيسى وعدد كبير من الفنيين. في المقابل، كان للنجم قاسم ملحو رأي مختلف يتلخّص بأنّ «خبز الحياة» قلّل من قيمة الممثل وحطّ من شأنه، ومَنْ «قبل العمل بهذه الشروط، عليه إما أن يصمت أو يتوجه للمؤسسة عينها لا لوزارة أخرى»!
من جانب آخر، يعلّق مدير «مؤسسة الإنتاج التلفزوني والإذاعي» زياد الريّس في اتصال مع «الأخبار» على الموضوع، قائلاً: «من الطبيعي أن يطالب كلّ منا بحقه. ما حصل أنّه كما جرت العادة أقرت موازنتنا منذ 2018 وكان يفترض أن تصلنا دفعات منذ الشهر الأوّل لهذا العام بشكل روتيني كما كلّ عام، لكن تأخّر القطع النقدي نتيجة مسائل متعلقة بخطط حكومية لا صلاحية لنا بها». وأضاف: «كّل ما نستطيع فعله من سلوكيات مكتبية وخطابات رسمية قمنا به من دون أن نتلقى أيّ جواب حتى الآن. مشروع «خبز الحياة» حصل على موافقات رسمية من وزارة الإعلام ورئاسة الحكومة، كما حظي بتنويه رئيس مجلس الوزراء عماد خميس، لكن لا أعرف ما الذي يحصل حتى تأخرت الميزاينة... شخصياً إن كانت هناك عراقيل مالية لا أريد أن يدفع هذا المشروع الثمن».
الخلاصة أنّ الحكومة السورية تبدو كأنّها كانت مغيّبة تماماً عما حصل خلال السنوات الثماني الماضية، أو ربما بأدائها الرديء تبدو كأنّها تريد محاسبة من صمدوا في دمشق والقول لهم: نحن نعاقبكم على ثباتكم في بلادكم، عليكم أن تموتوا جوعاً. كان عليكم أن تموتوا أو تكونوا مجرّد لاجئين!