بينما يشقّ القطار طريقه في بلغاريا ثمانينات القرن الماضي، كان شاب سوري يتلفّح بمعطف أسود، ويغرق في حكاية الكتاب الذي يحمله بين يديه، وعلى الأغلب كانت واحدة من روايات الأدب اللاتيني. تسبك مخيلته أحلام اليقظة بأن يصير يوماً قادراً على تحويل الصور التي تراوده والتي يقرأها إلى صورة ناطقة وجذابة، سيما أنّه ابن منطقة زاخرة بالخصب، وساحرة بتكوين طبيعة مذهلة. ففي ريف مدينة جبلة، تتربع قريته «بشيلي» على ذرى الجبال الموازية للشمس. للغروب والشروق في قريته حالة تشكيل خاصة ربما تختلف عن كل بقاع الأرض. وحده من زار تلك الجبال وأمضى ليالي فيها، وسهر حتى الصباح ليراقب شروق الشمس من بين الجبال الخضراء الموشحة بالضباب، يعرف بالضبط ماذا نقصد! لكن لم يكن الاختصاص الذي درسه وهو الهندسة الإلكترونية يخوّله لأن يصير ما يريد! لذا أنهى دراسته، تاركاً وراءه صخباً من الذكريات، والتفاصيل الإنسانية الغنيّة، وعاد إلى دمشق. كان يغريه تلوّث المدينة وعشوائياتها وماذا يقبع خلف كواليسها أكثر من رتابة أوروبا وتنظيمها! حينها، كان مبنى الإذاعة والتلفزيون في ساحة الأمويين يعتبر بمثابة حلم بعيد المنال لكثير من السوريين. مع ذلك، تمكّن أحمد إبراهيم أحمد من اختراق أسواره. وبعد مشوار مهني مضن في الإضاءة والتصوير، تسلّم منصب رئيس شعبة الإضاءة والتصوير. كان يشرف على كلّ اللقاءات السياسية الهامة بما فيها إطلالات الرئيس الراحل حافظ الأسد! وفي زمن نشوة الدراما السورية، تحوّل «أبو القاسم» إلى مهندس الضوء والصورة الأوّل في الشام! أنجز مهمة DOP لعشرات المسلسلات بينها «الزير السالم» إلى «التغريبة الفلسطينية» وصولاً إلى «ثلاثية الأندلس» و «الملك فاروق» وكلها أعمال لحاتم علي، إضافة إلى الكثير من المسلسلات المكرّسة التي باتت تعتبر اليوم من كلاسيكيات الدراما السورية. وعندما نفد الشغف تجاه المهنة وصار يعمل مع مخرجين دونه خبرة، قرر الإنتقال إلى عالم الإخراج. وهناك أمثلة عالمية على التوفيق المرافق لهذه الخطوة. حصد عمله الأوّل جماهيرية واسعة وهو «طريق النحل» (ورشة كتّاب) ثم أوقف الشارع في «لعنة الطين» (سامر رضوان) وأثار بلبلة في «عناية مشددة» (علي وجيه ويامن الحجلي). وقد سبق له أن تحدّى الظروف الأمنية والخطر المحدّق بدمشق عندما صوّر «نساء من هذا الزمن» (بثينة عوض) وكان قد سيطر على السوق في «زمن البرغوث» (محمد الزيد)، خاصة أنه جمع كوكبة نجوم نادراً ما تجتمع هي: سلوم حداد، أيمن زيدان، رشيد عسّاف، عبد الهادي الصبّاغ، قيس الشيخ نجيب، سعد مينه، وأمل بوشوشة...وحضر العام الماضي في عملين هما «هوا أصفر» (علي ويامن) و «مقامات العشق» (محمد البطوش). مع ذلك، ورغم أنه حقق نجاحات عريضة في اختصاصه الأوّل، وفي نقلته الثانية، إلا أنه سبق أن فصل من نقابة الفنانين بسبب سياسات وأسلوب التعاطي الذي يتبعه النقيب الحالي زهير رمضان، وقليلاً ما يركز الإعلام على شغله. وأخيراً تعرّض لظلم الرقابة في «أخوة وأعداء» (كتابة ديانا جبّور إنتاج «إيمار الشام») الذي كان من المفترض أن يباشر في تصويره لهذا الموسم، لكن العمل رفض من الرقابة مرتين رغم أنه ما زال في مرحلة الورق. حالياً يفترض أن يبدأ بالتحضير لفيلم طويل من كتابة سمّاح قتّال وإنتاج «المؤسسة العامة للسينما» وهي التجربة السينمائية الثانية بعدما أخرج فيلماً بعنوان «ماورد» ( 2017- عن قصة محمود عبد الواحد «عندما يقرع الجرس» سيناريو وحوار سامر اسماعيل- إنتاج المؤسسة العامة للسينما)