لن نأتي بجديد لو أعدنا الحديث عن سياسة عمل نقيب الفنانين السوريين زهير رمضان ومجلسه المركزي. فالسنوات الطويلة الماضية تشهد على إنتهاجه آلية عمل تشيّد عداءً جذرياً مع الجوهر السوي لعمل النقابات، وتنجز قرارات من الفصل وفق منطق متعالٍ بوضوح، وصيغة توغل في الإقصاء والقمع، وتطويع القانون لدعم هذه السياسة، وانتهاز فرصة الخلل الحاصل في البلاد لخدمة تلك الخطة. لكن بعد كلّ ما حصل في نقابة الفنانين وإحالتها لما يشبه الثكنة العسكرية التي يقودها رجل يضرب بيد من حديد، تحوّلت انتخابات النقابة الحالية بفضل عدد من الإعلاميين والمهتمين إلى قضية رأي عام. هكذا، انتهت انتخابات مجالس الفروع، على أن يجري انتخاب المجلس المركزي والنقيب الجديد في الخامس والعشرين من الشهر الجاري. وعلى الرغم من أنّ عدد الفنانين النقابيين في سوريا يناهز 2000 منتسب، بينهم 1200 عضو منتسب لفرعي دمشق وريفها، وقد أفضت الانتخابات الفرعية فيها إلى نتائج طيبة، لكن هذين الفرعين الأساسيين لا يحصلان سوى على 30 ممثلاً في المؤتمر المركزي الذي تجري فيه الانتخابات النهائية، فيما تحصل بقية الفروع وعدد جميع المنتسبين لها قرابة 800 عضو على أكثر من 40 ممثلاً. إلى درجة أنّ فرع المنطقة الشرقية وعدد المنتسبين له 13، اجتمع في انتخاباته أقل من عشر أعضاء وانتخبوا خمسة ممثلين لهم في المؤتمر المركزي، في مخالفة صريحة وواضحة للقانون باعتبار أنّ الفرع يجب أن يكون نصابه 35 فناناً أو يتم ضمه لنقابة ثانية في أقرب مدينة. كذلك، أعيد انتخاب المجالس نفسها تقريباً في غالبية فروع المحافظات، لتبدأ حملة من قبل بعض هؤلاء بالتحريض ضد كل من يدعي للتغيير، واتهام الأصوات الجديدة بأنّها مجرّد «جراثيم تتوجّب مكافحتها» على لسان أحد أعضاء الفروع، فيما طالب رئيس فرع نقابة الفنانين في حلب عبد الحليم الحريري بأن يخفت الصوت، ويصمت الإعلام الذي يواكب العمليات الانتخابية.وأخيراً، أطلق هؤلاء شعار «الوفاء بالوفاء» لزهير رمضان، من أجل إعادة انتخابه. على الرغم من الشعار الفضفاض لمثل هذه القضية، وتفسيره بأنّه نتيجة منطقية لافادة شخصية لهؤلاء من وجود رجل أجمع الكلّ على كارثية طريقته في الإدارة، غير أنّه لا ضير في أن يكون شعار المرحلة فعلاً «الوفاء بالوفاء» للممثل السوري وخريج المعهد العالي للفنون المسرحية والنجم الجماهيري زهير رمضان، الذي حصد إعجاب الجمهور والنقاد في مسيرته الفنية، ولعلّه ترك بالغ الأثر في دورَيْ عمره «المختار بيسة سليل الإقطاع» في «ضيعة ضايعة» (ممدوح حمادة والليث حجو)، و«رئيس الكركون أبو جودت» في «باب الحارة» (بسّام الملّا). لكن كيف يمكن ردّ الوفاء لهذا الممثل ونحن نرى ما يفعله بالنقابة؟ لعلّه سيكون وفق القاعدة الدينية والأخلاقية التي تملي على المرء نصرة أخيه ظالماً أو مظلوماً! أما عن كيفية نصرته وهو ظالم، فالجواب يكمن بضرورة مساندته من خلال ردعه عن ظلمه. بناءً على ذلك، لا بد من ردّ الوفاء للسيد النقيب ومجلسه، والهمس في آذانهم حرصاً عليهم وعلى سمعتهم المهنية: لقد أخذتم فرصتكم وأنجزتم حتى فاضت الجعب، لذا الوفاء لكم يقتضي نصيحتكم بترك الفرصة لدماء جديدة، إن لم تتمكّن من تحقيق نقلة نوعية في عمل النقابة، فبالتأكيد لن تجبر الفنانين المتقاعدين من النزول بأنفسهم لقبض رواتبهم وهي مجرد فتات. قد توظّف فريقاً يوصل تلك المبالغ البسيطة إلى بيوت المتقاعدين كنوع من التضامن الإنساني والتكريم المعنوي. ولعلّها خطوة تمنع تكرار المأساة التي حدثت في النقابة عندما كان الفنان المتقاعد والعاجز، حسني أبو جيب، يجرّ نفسه ليقبض راتبه من مقر نقابته، تنفيذاً لتعيلمات النقيب الصارمة، فوقع وأصيب بكسور توفي على أثرها. إذا كنّا أوفياء للنقيب ومجلسه وقررنا أن نصمت عن إحالة هذه القضية للمحاكمة، فحري بنا أن نقول لهم كفى!