قلبت أزمة فيروس كورونا الاقتصاد التقليدي لهوليوود رأساً على عقب، وجذبت مستثمري عالم الأخبار إلى صناعة الأفلام. في ظلّ عدم إعادة فتح صالات العرض بالكامل والفشل حتّى الآن في جذب عشّاق الفن السابع كالسابق، كان على استوديوات الإنتاج إيجاد طرق بديلة لإصدار أفلامها واسترداد استثماراتها. وقد فُتح هذا الباب على مصراعيه لصفقات بيع الأفلام لمنشئي البث التدفّقي المباشر وللأثرياء في الولايات المتحدة وخارجها لدعم إنتاج الأشرطة السينمائية. هذا باختصار جزء من الخلاصات التي توصّلت إليها الصحافية المتخصّصة في مجال الترفيه، أنوشكا ساكوي، في التحقيق الذي نشرته أخيراً في صحيفة «لوس أنجليس تايمز». عندما يصل فيلما Coming 2 America (إخراج كريغ بروير) و«مهمّة مستحيلة 7» (إخراج كريستوفر ماكواير) إلى السينمات، هذه السنة وفي سنة 2021 تباعاً، سينظر برايان أوليفر إلى اسم شركته على الشاشة بطريقة مختلفة تماماً عمّا سبق الجائحة التي سـ «تغيّر هوليوود إلى الأبد»، على حدّ تعبير أليسا روزنبرغ في صحيفة «واشنطن بوست».
(جيف هينتشي ــ الولايات المتحدة)

الشهر الماضي، أبرم المنتج المرشّح لأوسكار والمموّل البالغ 49 عاماً صفقة مع استوديوات «باراماونت بيكتشرز» بقيمة مئتي مليون دولار أميركي لتمويل ما يصل إلى ربع موازنة عشرة أفلام، من بينها Top Gun: Maverick (إخراج جوزيف كوسينسكي ــ 2021). وفي المقابل، سيشارك الرجل في أي أرباح أو خسائر من الأفلام. وهو ينظر إلى صفقة التمويل هذه على أنّها علامة على أنّ الاستوديوات تتوق بشكل متزايد إلى جذب شركاء للمساعدة في التخفيف من مخاطر التمويل السينمائي في وقت تظل فيه الصالات مغلقة إلى حد كبير. علماً بأنّ أوليفر كان قد دخل في السابق في شراكة مع «باراماونت» فقط في مشاريع فردية، من بينها «روكتمان» (إخراج دكستر فلتشر) الذي يتناول سيرة النجم البريطاني إلتون جون.
المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة «نيو ريبابليك بيكتشرز» التي تتخذ من لوس أنجليس مقرّاً لها، لا يعتقد أنّه كان سيُبرم هذه الصفقة في غياب الجائحة: «كلّما طالت فترة تأخّر السوق السينمائي بسبب الوباء، رأينا استوديوات تبحث عن مصادر تمويل أخرى».
من جهته، قال كين دويتش، الشريك في «لاثام واتكينز» الذي قدم الاستشارات لـ «نيو ريبابليك بيكتشرز» بشأن صفقتها الجديدة، إنّ تأثير الوباء السلبي على العروض السينمائية أدّى إلى تحوّل في سوق تمويل الأفلام: «لقد طرأت مجموعة جديدة تماماً من المخاطر على النظام، كتأخيرات الإنتاج، ونقص التغطية التأمينية، وزيادة التكاليف، وإغلاق السينمات، وما إلى ذلك. وهي تؤثّر على جميع الأفلام، بما في ذلك ما كان يُعتبر سابقاً سلاسل ذات امتيازات (franchises). لقد خلقت هذه المخاطر فرصاً استثمارية جديدة لم تكن متاحة في السابق وهي تجتذب لاعبين جدداً».
في السنوات الأخيرة، تضاءلت صفقات التمويل التي تشمل أفلاماً عدّة، مثل تلك التي تمت بين «باراماونت» و«نيو ريبابليك». فنظراً إلى أنّ شباك التذاكر يركّز على عدد أقل من العروض الفرعية لأعمال كبيرة، شعرت الاستوديوات بأنّها أقل حاجة لجذب المستثمرين من أجل الحفاظ على جميع الأرباح المُحقّقة من أفلامها. وفي هذا السياق، قال محامون في مجال صناعة الترفيه ومسؤولون تنفيذيون في استوديوات إنتاج معروفة إنّ هذا الواقع قد يتغير، في ظل عدم اليقين بشأن أوضاع شبّاك التذاكر اليوم.
لهذا النوع من الصفقات تاريخ مختلط في هوليوود. انتهى الأمر ببعضها بدعاوى قضائية بعدما تُرك المستثمرون يتحمّلون الخسائر. وفي الآونة الأخيرة، تمكّنت الاستوديوات من العثور على المال وإقامة شراكات استراتيجية مع الشركات الصينية التي يمكن أن تساعد في توزيع أفلامها في ثاني أكبر شبّاك التذاكر في العالم. لكن الاضطرابات السياسية الأخيرة أدّت إلى انهيار بعض تلك التعاقدات. هنا، لا بد من الإشارة إلى أنّ صفقة شركة «يونيفرسال بيكتشرز» مع شركة «برفكت وورلد بيكتشرز» (مقرّها بكين) تمتد حتى عام 2021، فيما أبرمت شركة «وورنر بروز» اتفاقية مع Rat-Pac Dune، غير أنّها انتهت في عام 2018. كما وضعت «سوني» في عام 2017 حداً لصفقة بقيمة 200 مليون دولار مع شركة LStar Capital، وهي ذراع من مجموعة الأسهم الخاصة «لون ستار فاندز» (مقرّها دالاس).
على خطٍ موازٍ، صعّبت الأزمة الصحية العالمية على العديد من المنتجين المستقلّين الحصول على تمويل لأفلامهم. محامي تمويل الأفلام في «فرانكفورت كورنيت كلاين آند سيلز» (مقرّها نيويورك)، شون جيفرسون، شدّد في هذا الإطار على أنّه «يتعيّن على المنتجين الآن إطلاق شبكة أوسع بكثير... لأنّ المموّلين التقليديين ليسوا على استعداد لتحمّل مخاطر الإنتاج أثناء كوفيد ــ 19». وعلى عكس الاستوديوات الكبيرة التي تدعمها التكتلات الإعلامية الكبرى مثل Comcast Corp و AT&T، لا تستطيع إنتاجات الموازنة الصغيرة هذه تحمّل الخسائر المرتبطة بتوقف عجلة الإنتاج وتواجه بالفعل تكاليف أعلى بسبب بروتوكولات السلامة المتعبة حالياً للوقاية من الفيروس. وأمام هذا الواقع، يتجه بعض المستثمرين الحاليين والجدد نحو سد فجوة التمويل. بالإضافة إلى ذلك، أدّت زيادة الإنتاج على المستوى الدولي في البلدان التي يقل فيها معدّل الإصابة إلى ظهور مستثمرين جدد من تلك المناطق، كأستراليا ونيوزيلندا وبعض أجزاء سكاندينافيا. إذ قد يغري هؤلاء أيضاً ارتفاع الفوائد المدفوعة لتمويل الأفلام أو البرامج التلفزيونية في الولايات المتحدة.
صعّبت الأزمة الصحية العالمية على منتجين مستقلّين الحصول على تمويل لأفلامهم


ليندساي كونر، رئيسة قسم الأفلام والتلفزيون والمحتوى الرقمي في شركة المحاماة Manatt, Phelps & Phillips، أوضحت في حديثها إلى «لوس أنجليس تايمز» أنّه «إذا استمرت الوتيرة الحالية خلال الربع الأخير، فسيكون هذا أكثر الأعوام ازدحاماً بالنسبة إليّ منذ 10 سنوات»، مؤكدةً أنّ صناعة الترفيه تجذب المزيد من المستثمرين أصحاب السيولة إلى الشركات التي ربما انخفض تقييمها أو جفّت مصادر تمويلها المعتادة: «هناك أشخاص أذكياء يدركون أنّ المخاطر قد تكون كبيرة، لكن المكافآت أكبر... لقد زادت موازنات الإنتاج، وقد أتاح ذلك فرصاً للمستثمرين الذين ربّما لم يكن ليتم استدعاؤهم في ظروف أخرى».
وفي الوقت نفسه، كانت الاستوديوات تحاول إيجاد طرق لإطلاق أفلامها بعيداً عن السينمات واسترداد الاستثمارات، ما يساهم بشكل أكبر في نجاح عقد الصفقات. فبعد نجاح «يونيفرسال بيكتشرز» في إطلاق فيلم الرسوم المتحركة Trolls عبر الإنترنت مقابل 20 دولاراً كرسم إيجار، أبرم آخرون صفقات مربحة مع منصات البث التدفّقي. هكذا، استحوذت شركة «آبل» على حقوق توزيع فيلم Greyhound لطوم هانكس بدلاً من «سوني» لقاء حوالى 70 مليون دولار، فيما دفعت «نتفليكس» ما يقرب من 30 مليون دولار لمنتجي فيلم «مالكوم وماري» الذي لم يكلّف أكثر من مليون دولار. روغ ساذرلاند، الرئيس المشارك للتمويل الإعلامي في CAA، التي شاركت في مبيعات كلا الفيلمين، يرى أنّ الجميع يدركون أنّ هناك حاجة إلى المحتوى ويحاولون معرفة كيفية صناعة الأفلام حالياً: «يستثمر الناس أكثر بكثير. إنه السوق الأكثر روعة الذي رأيته في السنوات الـ 15 التي أمضيتها في CAA».
في خضم كلّ هذه المتغيّرات، يرى مراقبون أنّ مرحلة ما بعد كورونا، ستشهد هوليوود مختلفة عن السابق لناحية أشكال وأساليب الإنتاج.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا