«كن كالماء يا صديقي». تلك هي العبارة الأشهر لأيقونة فن القتال الصينية. الأسطورة التي غضب لها الصينيون ومحبّوها في كل أنحاء العالم عندما استغلها إعلان Johnny walker في دعايته عام 2013، معتبرين أن فيلسوف الـ«جيت كون دو» أو «القبضة المعترضة» – الفن القتالي الهجين الذي استنبطه بروس لي عام 1967 من المدرسة التقليدية للكونغ فو – والرياضي الأشهر في العصر الحديث، لم يكن من محبّذي الكحول، كي يُزجّ به زجّاً عبر تقنية الغرافيكس من أجل غرض التسويق.ثمانون عاماً على ولادة تلك الشخصية الاستثنائية. النجم الأكثر سحراً وتأثيراً في عالم السينما، لا سيما أفلام الأكشن. في كل عام، تمرّ ذكراه لتعيد تساؤلات العامة من كل أنحاء العالم حول وفاته. لم يتقبّل أحد موت بروس لي (1940 ــ 1973) في حينها. قدم بروس لي مفهوماً مختلفاً للألعاب القتالية. استطاع بدون ماكياج أن يجعل الإنتاج الهوليوودي هزيلاً، ومزيّفاً بملايين دولاراته. لم يستخدم سوى الـ«نونشاكو»، سلاح الفلاحين الذي استخدمه في معظم أفلامه. واجه به اليابانيين في فيلم «قبضة من الغضب». كان صادقاً بعنفه تجاه العملاء من الصينيين، كما تجاه مستعمر بلاده القديم. قد يكون للصراع في شرق آسيا قراءته الخاصة. لكن لمن يعرف العقل الأميركي في صناعة السينما، تحديداً أيام الرئيس نيكسون (حرب فييتنام كانت حاضرة في تلك الحقبة)، يدرك قساوة مشهد القتال بينه وبين تشاك نوريس في فيلم «طريق التنين» الذي أنتجه لي سنة 1972 وقام بإخراجه. حقق الفيلم حينها 130 مليون دولار، يمكن ضرب هذا المبلغ بخمسة أضعاف قياساً لليوم. آنذاك، كانت الحرب الباردة في أوجها، مرحلة صعود بروس لي بين حربَي 1967 و1973.


لم يكن مألوفاً أن يقوم ممثل صيني أعزل، وبزيّ العامة من الصينيين، بكسر عظام بطل فنون قتال أميركي، العظمة تلو الأخرى، في مشهد بقي عالقاً في ذهن وأعين جميع من شاهده. صوت بروس لي بنوتاته العالية المتناغمة مع صوت القطة التي شاهدت النزال، لا يزال يطرق مسامع كلّ من شاهد تلك اللقطة. لنكن عقلاء وموضوعيين في تحليلنا، لا يحسد الأميركي في حينها. أضحى شبه مستحيل إخفاء وجهه الآسيوي كما عمدوا سنة 1967 في مسلسل «الدبور الأخضر» عبر إلباسه قناعاً وقبعة. ظهر بطء «رعاة البقر» وسماجتهم جلياً مقارنة به. لم تسعفهم أناقة شون كونري ولا سيارته في دور جايمس بوند سنة 1971، ولا كاريزما ستيف مكوين سنة 1973. لم يكن ممكناً كبح جماح بروس لي. اتخذت شركة «وارنر بروس» قرارها بسرعة وجرأة. يمكن دفع العواقب بالتعاقد مع بروس لي. وهو خير من مراقبة نجوم هوليوود يتساقطون أمام شباك تذاكره. أنتجت الشركة فيلم «دخول التنين». طُعِّم الفيلم بنجوم أميركيين كجون ساكسون، وجيم كلي. كان الهم الأساس لـWarner Bros، أن تضع اسم بروس لي تحت عباءتها، فتركت له جل تفاصيل فلسفة الفيلم من ناحية الحركة، والأكشن، وتنسيق ورسم الحركات القتالية. حصلت الشركة على مرادها بعدما حصد الفيلم أكثر من 350 مليون دولار.. وتوفي بروس لي بعد انتهاء التصوير، ويقال إنه لم يشاهد النسخة المكتملة من الفيلم.
في تلك الفترة، كانت هوليوود قد توجهت إلى مخرجين شباب واستعانت بهم. ظهر سبيلبرغ وسكورسيزي، وكوبولا، ودي بالما، وبوغدانوفيتش وغيرهم... كان لا بدّ من البحث عن روايات جديدة، وصيغ إخراج وأنواع جديدة من أفلام الحركة، فظهر، JAWS «الفك المفترس»، و«العراب»، و«حرب النجوم».. أسعف «القدر» هوليوود سنة 1973 فكانت المفصل. توفي صاحب نظرية «لكمة الانش الواحد». رحل «التنين الصيني الحي» وترك لعنة التحاليل تلاحق المستفيدين من موته. وقفت «هوليوود الأميركية» في عزائه كأنه ابنها البار. علّقت صوره في بيوت النخب كما الفقراء. أزيلت صور الكثير من الممثلين العالميين من غرف الشابات، والشباب واستبدلت بصورته المشهورة مع الخدوش على وجهه وصدره ونظرته الحادة، وصورته ببجامته الصفراء المشهورة، التي ألبسها لاحقاً تارانتينو لإيما ثرمن في Kill Bill سنة 2003. أحرج الأميركي عندما لاحقته أسئلة ألغاز وفاة بروس لي وما زالت. قصة النزيف في الدماغ من خلال التسريب للإعلام، لم تقنع مؤلفي القصة أنفسهم، ما جعل قصة اللعنة التي تلاحق عائلته تظهر في فيلم سيرته «التنين» سنة 1993، وهي نفس السنة التي توفي فيها براندون لي ابن بروس بطلق ناري خلال تصويره الجزء الثاني من فيلم «الغراب».
توفي العديد من النجوم في ظروف غامضة. جايمس دين، مارلين مونرو، توباك شكور، بوب مارلي... وهيث لدجر. لكن لم يكن لوفاة أحد منهم نفس الوقع لغياب «التنين» بروس لي، حيث صنفته مجلة Times بين أهم 100 شخصية في القرن العشرين..

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا