ترفع الدراما التركية في موسمها الشتوي الحالي، راية العلاج النفسي وصراعات الإنسان منذ طفولته وآثارها السلبية على حياته وتعامله مع المحيطين. بعدما عرفت الصناعة التركية بقصص الحبّ، معالجةً مشاكل إجتماعية بطريقة سطحية، تبدّلت أحوالها هذا العام لتطلّ بحلّة جديدة ربما يصعب على المشاهد تقبّلها لشدّة ثقل محتواها. هذه التغيرات والتحوّلات في تلك الصناعة التي غزت العالم العربي قبل أكثر من 15 عاماً من بوابة قناة mbc، كان لافتاً أنها إقتبست أحداثها عن قصص واقعية لأشخاص عانوا من المشكلات النفسية. في هذا السياق، يأتي مسلسل «الغرفة الحمراء» (إخراج جيم كارجي) على رأس قائمة الأعمال الهادفة، وهو أوّل عمل تركي من النوع النفسي تدور أحداثه في عيادة معالجة نفسية تقابل حالات تئنّ من طفولتها وماضيها وأمراضها. يبثّ المشروع حالياً على قناة TV8 ويعالج قصصاً حقيقية مقتبسة من كتب طبيبة نفسية. في عيادة تجمع أطباء نفسيين، تلتقي الطبيبة هانم (الممثلة بينور كايا التي تصدّرت أغلفة المجلات التركية) وزملاؤها، حالات متنوعة، لأب يعنّف زوجته وإبنه جراء ماضيه الذي عنّف فيه. كذلك هناك قصة إمرأة متزوّجة لم تتخلص من ماضيها بعدما قتلت والدها الذي توفي أمام عينيها بسبب ماضي والدتها. كما يتناول بشكل دقيق، صراع فتاة خارقة الذكاء مع والدتها التي شكّلت لها أزمة. تقوم هانم وبشكل مفصّل ودقيق، بنبش ماضي كل حالة على حدة، والغوص في مكنوناتها النفسية. المسلسل هادف أثار ضجة في تركيا عند عرضه، وشجّع المتابعين على الذهاب إلى الطبيب النفسي، بخاصة أن العنف (على أنواعه) قد إشتدّ في تركيا والعالم في السنوات الأخيرة.
على الضفة نفسها، يلتقي مسلسل «شقة الأبرياء» (إخراج كاجري فيلا) مع «الغرفة الحمراء» بعدد من النقاط المشتركة، أولها أنه مأخوذ أيضاً عن قصة حقيقية من كتاب لطبيبة نفسية. والنقطة الثانية والاساسية أنّه يعكس أهمية طفولة الانسان على حياته وتأثير غياب العلاج النفسي على زعزعة عمق الكائن البشري. يتحدث المسلسل الذي يعرض حالياً على قناة Trt1، عن عائلة تتألف من ثلاث فتيات وشاب واحد، تعيش معاً في منزل واحد بعد وفاة الوالدة. لكن العائلة الثرية، ليست بخير، بل كل واحد منها يعاني من مشكلة نفسية متأزمة وصلت إلى حدّ الهوس، والسبب هو الوالدة التي طبعت شخصية كل واحد منهم. ثلاث شقيقات يتقاسمن مشاكلهن في الوسواس القهري بالنظافة والتبوّل السريري، بينما الشاب وهو مدير في النهار، مهووس بجمع النفايات في الليل. يوحي «شقة الأبرياء» من عنوانه المعبّر، بأنّ الجميع يرزح تحت ثقل الماضي، لكن بدرجات معينة.
من جانبه، تتشابك الأحداث في المسلسل التركي «طيف اسطنبول» الذي تعرضه شبكة «نتفليكس»، بين العلاج النفسي والصراعات الاجتماعية (والموروثات الدينية) لعائلة تتغلغل فيها الكآبة. يركز العمل على مريم (أويكو كاراييل) الفتاة المحجبة التي تلجأ إلى طبيبة نفسية، لكن حتى الأطباء النفسيين الذين يقدّمون العلاج، هم بحاجة أيضاً للعلاج.
على هذا المنوال، لم تهمل الدراما التركية سابقاً أهمية الجانب النفسي، بل سبق أن تطرقت إليه في عدد من المسلسلات من بينها «عروس اسطنبول» و «منزلي». ولكنها المرة الأولى التي تخصص فيها الجزء الأكبر من أعمالها للربط بين صراعات الانسان الداخلية وتأثيرها على حياته. .