خلال الأسابيع الماضية، امتلأت أسواق اليابان ومحالها التجارية بالشوكولا البيضاء والهدايا الصغيرة المنوعة، التي وُضع أغلبها في حزم بيضاء اللون. أما السبب، فهو «اليوم الأبيض»، عيد «الفالنتاين» الثاني في البلاد، الذي تحتفل به بعض البلدان الآسيوية، بعد شهر بالتمام من العيد الأصلي (14 شباط/ فبراير). هكذا، تحتفل بهذا العيد كل من اليابان وتايوان وكوريا الجنوبية والصين. وفي حين كان عيد «الفالنتاين» لدى الغرب، وفي بلادنا، عبارة عن تبادل هدايا بين النساء والرجال، فإنّ الأمور تجري بطريقة مختلفة في هذه البلدان. النساء هنّ من يشترين الهدايا للرجل، في الرابع عشر من شباط من كلّ عام، ولا سيّما الشوكولا التي تسمى هناك «الهدية الإجبارية». وبالتالي، كان ضرورياً أن يكون هناك يوم، يردّ فيه الرجال، ومن تلقى حتى هدية مفاجئة من شخص ما ولم يردّها، هذه الهدايا. فكان يوم الرابع عشر من آذار، «اليوم الأبيض».
رسالة عتب وراء التقليد
بحسب وزارة التجارة الأميركية، انطلق هذا التقليد، في أواخر السبعينيات، من مؤسسة صغيرة للحلويات في حي «هاكاتا» الياباني، حين كان أحد المدراء التنفيذيين هناك يقرأ جريدة مخصصة للنساء. حينذاك، لفتت انتباهه إحدى الرسائل التي كتبتها امرأة في المجلة، متسائلة: «لمَ لا يعطينا الرجال شيئاً في المقابل؟ من غير العادل أن نقوم نحن بإعطائهم الشوكولا والهدايا في عيد «الفالنتاين» من دون أن يردوا الجميل حتى، ولو من خلال بعض حلويات «المارشميلو»». دفع هذا السؤال بالمدير إلى ابتكار نوع جديد من الحلوى، هو عبارة عن «مارشميلو» أبيض محشو بالشوكولا، ثمّ سرعان ما اقترح على موظفاته في الشركة اختيار يوم يردّ فيه الرجال الهدايا لهنّ، ليقع اختيارهنّ على الرابع عشر من آذار. وأُطلق آنذاك على العيد، «يوم المارشميلو»، واحتُفل به للمرة الأولى في العام 1978.
وعلى إثره، أصبح هذا اليوم الذي اكتسب لاحقاً اسم «اليوم الأبيض»، واحداً من أحبّ الأعياد على قلوب اليابانيين، وعيداً يشهد مبيعات تجزئة هائلة. وسرعان ما انتشر إلى بلدان آسيوية اخرى، كالصين وكوريا الجنوبية وتايلاند.
اليوم الأبيض


واجب أم رومانسية؟
بحسب «رابطة الذكرى السنوية اليابانية»، قدّرت قيمة السوق في العيد الأبيض، عام 2016، بـ143 مليار ين، أي ما يعادل 1.18 مليار دولار. وبالرغم من أنّ عائدات الفالنتاين تبقى أعلى بكثير، إلا أنها سجلت حينذاك ارتفاعاً واضحاً مقارنة بالسنوات السابقة، إذ كانت في العام 2013 مثلاً، 1.1 مليار دولار فقط. بيد أنّ شعبية هذا العيد وعائداته شهدتا تراجعاً بشكل ملحوظ. ولهذا التراجع أسباب عدة أبرزها: تغيّر نظرة الشعوب تجاه هذه الأعياد، إذ بدأت تسأم تبادل الهدايا هذا الذي أصبح أقرب إلى الواجب منه إلى الرومانسية، وفق الأستاذة المساعدة في الدراسات الإعلامية والثقافية في «جامعة ريفيرسايد» في كاليفورنيا سيتسو شيغيماتسو. وفي هذا السياق، تسجل في السنوات الأخيرة مبيعات الفالنتاين تراجعاً ايضاً، لتتراجع معها، حكماً، نسبة الهدايا التي «ستُرد» في العيد الأبيض. أضف إلى ذلك، أنّ خبراء اقتصاديين يرجحون أنّ تراجع دخل معظم اليابانيين هو سبب آخر، علماً أنّ بعض التقديرات تشير إلى أنّ متوسط الدخل المتاح للعامل الياباني هو في أدنى مستوياته منذ 30 عاماً. ومع تزايد الأعياد التي تتضمن تبادلاً للهدايا والمستوردة من الغرب بأغلبيتها، أصبحت شعوب هذه البلدان تعيد النظر في إنفاق أموالها ضمن هذه الحلقة المفرغة من تبادل الهدايا.
وفي هذا الإطار، تلفت المديرة التنفيذية في مركز اليابان العالمي التابع للجمعية الآسيوية، ساواكو هيداكا، إلى أنّ العقلية اليابانية، لا سيما في ما يتعلق بالهوية الجنسية والعلاقات بين الرجال والنساء، شهدت تطوراً في اليابان والبلدان الآسيوية كما في سائر أنحاء العالم. فمن وجهة نظرها، ابتكرت الإناث، قديماً في هذه البلدان، عيد الحب، ليكون وسيلة لهنّ للتعبير عن مشاعرهنّ. ثمّ قابله «اليوم الأبيض» ليبادلهنّ الذكور ذلك، حين كانت العلاقات بينهما غير مقبولة اجتماعياً كما هي في الحاضر. بمعنى آخر، إنّ تغير الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، يحولان دون صمود أرقام مبيعات هذه الأعياد على مستوياتها المرتفعة.
اللافت أنّ تراجع شعبية هذا العيد لا تمنع الشركات الغربية من محاولة دخول السوق اليابانية والاستثمار عن طريقه، لا سيما من خلال سوق الشوكولا، وعلامات الشوكولا الأميركية الراقية، التي تتمتع بمكانة خاصة لدى اليابانيين. وينصح خبراء أميركيون المؤسسات التي تسعى لولوج هذه السوق إلى الحفاظ على معايير عالية وقريبة من المجتمع الياباني، من خلال متاجر مخصصة له وفريق تسويق متمكن يتقن اللغة اليابانية، ومواقع إلكترونية باليابانية، سلسة وخالية من الأخطاء.