كل شيء كان يشير إلى أنّه يتجّه صوب الشهرة بخطوات واثقة. لكن لم يكن أحد يعرف أنّه سيستحيل أيقونة! بدأ جورج وسّوف مشواره الفني في الطفولة، ليحتلّ خلال مدة قصيرة مكانة مرموقة. قصة فنية مثيرة حاك خيوطها صاحب «ليل العاشقين» منذ خطواته الأولى. تنبّهت عائلته لأنّها رزقت بموهبة فنية رفيعة، وهي التي «دوزنت» لياليها على مزاج الفن الرصين. أمّه فرحة الصدى، اسم كان يترك وقعه عند الجميع، خاصة لدى ابنها الذي ارتبط بها روحياً وعاطفياً عميقاً. كانت المرأة البسيطة مغنية خبر كل من عرفها حسن صوتها الذي أورثته لابنها الوحيد بين أربع بنات. أما «العرّاب» الحقيقي في حياة المطرب السوري الأكثر شهرة في بلده، فكان والده خفيف الظلّ بديع الشاعر، الذي أبدى اهتماماً بالغاً بموهبة ولده وراح يعلمه كيف يتمكّن من كتابة المواويل، بينما توهّجت الأم في بحّة صوت ابنها، وهو يعبّر لها عن رهافة مشاعره بأغاني البدايات. غنى لها موّال «أنا مسافر» الذي عُرف بعد اتساع شهرته، إضافة إلى أغنية «ماما يا ماما»!
من «عاصمة الفكاهة السورية» حمص، انطلق الوسوف، وتحديداً من بلدة الشجر العالي والهواء النقي «الكفرون» التي اعتلى فيها خشبة المسرح المدرسي عندما كان في الـ 13 من عمره. الحفلة المدرسية أوحت بملامح انطلاقة مبكرة لقافلة شقت طريقها نحو شهرة الفن، لكن لم يكن أحد يستطيع التكهّن إلى أين ستمضي! وإلى أي حد ستكون طريقها وعرة، أو محفوفة بالمخاطر، حتى أتى اليقين فكذّب كل الشكوك! سنوات قليلة مرّت صار بعدها جورج يلقّب بـ «الطفل المعجزة»، كونه حسب شهادة كبار الملحّنين امتلك خامة صوت متفرّدة، مكّنته في ما بعد من تقديم أغاني عمالقة الطرب العربي. بعدما ذاع صيته في سوريا سافر إلى بيروت، وبدأ رحلته من الملاهي والمطاعم حتى بدأت تنهال عليه عروض الحفلات الخاصة.
من يعرف جورج وسوف عن قرب يدرك أنّه حالة لا مثيل لها. نسخة واحدة قلّدها العشرات (أبرزهم النجم السوري عبد المنعم عمايري) وبقيت متفرّدة من دون مثيل. ليس فقط على مستوى الكاريزما، والحضور، وطريقة المشي، وخامة الصوت، والعلاقة بالجمهور، بل أيضاً في كسب الأموال الطائلة ثم تبديدها!
طبعاً، كانت الشائعات رفيقة درب الوسّوف، إذ لازمته منذ انطلاقته. بعض الروايات كان حقيقياً، وبعضها الآخر جافى الواقع. لكن ظل جورج حاضراً دائماً وأخباره تتسيّد المشهد الإعلامي، طالما أنّه لم يغنّ يوماً إلا وكانت الصالات تزدحم قبل ساعات طويلة من ظهوره على المسرح.
على صعيد آخر، سايره القدر مراراً في ساعات الشدة والمرض لدرجة أنّ أطباءه كانوا يُذهلون لسرعة استجابته للعلاج، إذ ابتلي سنة 2000 بمرض نادر في وركه لا يصيب إلا المتقدّمين في السن، لكن النتيجة كانت أن حققت العملية التي أجريت له في فلوريدا نجاحاً كبيراً، وسقطت التنبؤات الطبية حول صعوبة مشيه بعدها، فوصل إلى مطار بيروت ومشى على قدميه وسط حفاوة واستقبال جماهيري حاشد، ربّما يكون غير مسبوق في تاريخ الغناء العربي الحديث. ثم نجا في 20 تشرين الأوّل (أكتوبر) 2011 من الموت المحتّم، بعدما أصابته جلطة دماغية في يعفور قرب دمشق، نُقل على إثرها إلى المركز الطبي التابع للجامعة الأميركية في بيروت، وسط عاصفة من الشائعات على مدار الساعة. حتى إنّ بعض المقاهي الدمشقية خيّم عليها الحزن للحظات عندما أذاعت بعض الوسائل الإعلامية نبأ كاذباً عن وفاته، بينما أوضحت وسائل أخرى خبر إصابته بشلل نصفي، وهو ما حصل فعلاً من دون أن يتأثر صوته. بعد ذلك، اكتفى جورج وسوف بإطلالات إعلامية نادرة، اعتلى بعدها مسرح «أعياد بيروت» في 29 تموز (يوليو) 2014، في أوّل لقاء مع الجمهور منذ سنوات. منذ ذلك الحين وحتى اليوم، كانت إطلالات الوسوف خاطفة وربما غير موفقة لدرجة أنّه نُصح باعتزال الفن والامتناع عن الظهور والاحتفاظ بصورته وتاريخه الفني لدى الجمهور، لكنّه أصر على الاستمرار. وأخيراً، قال جورج جملته المؤلفة من كلمتين: دمشق اللاذقية! في عاصمة الزمان، أغلقت المنافذ الواصلة إلى القلعة وتجمهر عشرات الآلاف. الحالة ذاتها حصلت يوم أمس في «عروس الساحل» السوري في الملعب البلدي وسط حالة كرنفالية غير مسبوقة مع توارد أخبار عن انسحابه، من الحفلة نتيجة الفوضى والازدحام، ثم نفي الموضوع من قبل آخرين على رأسهم النجمة صفاء سلطان التي غنّت إحدى أغانيه مع الكورال. وهو ما سبق أن فعله اللبناني، آدم أحد أجمل الأصوات العربية... ترى من هو المغني العربي الذي تقبل أسماء مكرّسة أن تقف في كوراله، أو أن تكون شتيمته على المسرح بالنسبة لقلب الجمهور أحبّ من العسل؟ فقط «السلطان» دوناً عن غيره!