إيماناً منهم بقدرة المسرح التغييرية، يعمل القائمون على «مسرح شغل بيت» منذ تأسيسه لغاية اليوم. الواقع اللاإنساني، وما رافقه من تداعيات كالموت والهجرة واليأس والقساوة، تقدمها الفرقة، ضمن مجموعة أعمال مسرحية، من المقرر عرضها ابتداءً من 26 حزيران (يونيو)، وتمتد حتى أواخر تموز. وجهة مؤسس «مسرح شغل بيت»، المخرج والمدرب المسرحي اللبناني شادي الهبر، هذه المرة، ليست مسارح المدينة فحسب، بل ستصل العروض أيضاً إلى الأطراف والهوامش في القرى اللبنانية، النائية عن الثقافة، بفعل سياسات إلغائية مارستها السلطة بعدم إيلائها الفنون والثقافة أولوية في سياساتها الإنمائية.أعمال «مسرح شغل بيت» تأتي بعد أشهر من العمل في الكواليس، وسط إغلاق المسارح على مدى أشهر، ما جعل برنامج العروض مكثفاً هذا الصيف. الأهم من ذلك، يخوض القائمون على المسرح تجربة النزول إلى الشوارع في بيروت، إحياءً لـ«مسرح الشارع»، الذي تراجعت وتيرته في السنوات الماضية. يأتي ذلك انطلاقاً من أهمية المسرح في الأوقات العصيبة، لما له من دور في نشر المتعة، والتوعية حول مصير الأفراد في المجتمع، وحثهم على التغيير.
تقوم آلية العمل في «مسرح شغل بيت» على مسارين إنتاجيين: الأول يتضمن المسرحيات الاحترافية، والثاني يستند إلى محصلة تدريبات الطلاب والدفعات المتخرجة، وهي تحت إشراف شادي الهبر، والممثلة والمدربة المسرحية اللبنانية مايا السبعلي، اللذين تتنوع مهامهما بين إشراف على التمثيل، والإخراج، والتدريبات.
تنطلق العروض في 26 حزيران، مع «دفنّا»، عرض مستقى من طقوس الموت. تشكل هواجس الإنسان في حياته منطلقاً لكتابة نصوص العرض. قام بإعداد النصوص وتأليفها طلاب الدفعة الـ11 في «مسرح شغل بيت». يُدخِل مشرف العمل، شادي الهبر، آلة الدف في سياق تعبيري عن ارتباط الموسيقى التي يصدرها الدف بطقوس العزاء، كما للتعبير عن الدفن. ما الذي نريد قوله قبل الموت؟ وما الذي نتهيّأ لفعله، بمَّ نفكر في حياتنا السرمدية؟ وغيرها من الأفكار حول الواقع الإنساني، تكوّن نواة العرض الشبابي، بعيداً عن إقحامها في متاهة الأديان، في قالب سينوغرافي مشبع بألوان الحداد، وعذابات الإنسان في هذه الحياة.
تبقى هموم الشباب الشغل الشاغل لدى «مسرح شغل بيت». بعد عرض «الشنطة» بالتعاون مع المركز المجتمعي للحركة الشبابية الأرثوذكسية، من المقرر عرضها في عدد من المناطق، ليكون العرض الأول في 17 تموز في «مسرح إشبيلية» في صيدا. المسرحية تنطلق من توق الشباب للهجرة، لتتركنا بلا إجابات عمّا إذا كانت الهجرة نعمة في الأوقات العصيبة، أم أنها حلّ للهروب من الواقع الأليم. أحلام الشباب وما يرافقها من تطلعات، تُقدم في سياق نقدي عن الواقع المعيش وما يصاحبه من دور إعلامي لا يوجه الشباب في المسار الصحيح. كوميديا سوداء تم ترتيب أفكارها، في حبكة تحفز المتفرجين على إعادة النظر في ما يعيشونه، وإعادة التفكير في واقعهم الذي لطخته الدماء، والحروب، والانفجارات، ورسمت مسار حياتهم.
ومن العروض في الفضاءات المغلقة، إلى الشارع، تنزل فرقة «مسرح شغل بيت»، في عرض قيد العمل والتطوير. من المقرر تقديم «ضد الكسر» في شوارع بيروت. أمام الناس ممثلون تدربوا بتقنياتهم الصوتية والجسدية، ليخرقوا الواقع أكثر فأكثر، ويقدموا المشاكل الراهنة. لا تمل الفرقة عرض المفاهيم الحياتية اليومية للمواطن اللبناني، بل يزداد الإصرار على نقد الواقع المعيش، والأزمات الراهنة. «إنها وظيفة المسرح» يتيقن شادي ذلك، فتأسيس «مسرح شغل بيت» أتى لهذه الغاية. العرض الأول سيكون في 20 تموز، على أن تليه سلسلة عروض في القرى اللبنانية.
أما «جريمة؟»، التي يبدأ عرضها في 30 و31 تموز، فهي حصيلة عمل طلابي للدفعة الـ 12 من «مسرح شغل بيت». يُصوّر الظهور على المسرح كجريمة. ففي عصر الحريات، يجري التحقيق مع عدد من الممثلين المسرحيين، لمنعهم من قول آرائهم. تتعدى المسرحية هذه الأفكار، لينقل الطلاب الشباب تجاربهم على الخشبة، وخوف السلطة من التعددية والحرية.
إن كثرة الأعمال المسرحية في «شغل بيت»، بحسب شادي الهبر، لا تدل على كثرة الإنتاج وتضاؤل إنتاجية الأعمال، بل على العكس. فإن التفرغ للعمل المسرحي، تكون حصيلته مجموعة عروض مسرحية متنوعة، بخاصة أن التجربة مع الشباب في المسرح يضعها الهبر في خانة الاستمرارية. يجب أن يظل المسرح يافعاً، يصل إلى كل الحدود، ويربط الواقع المعش مع الماضي، لصياغة أسئلة عن المستقبل.
على الرغم من أنّ أعمال «مسرح شغل بيت» تشكل بارقة أمل على استمرار المسرح، إلا أنه، ربما، على القيمين إعادة النظر في بعض المضمون الذي يخطه الطلاب، وتعميقه أكثر صوب المناحي الفلسفية والمجرّدة. إن الابتعاد عن المباشرة في الكتابة المسرحية، خاصة لدى الطلاب، ودفعهم إلى البحث عن نظريات فلسفية أو اجتماعية وربطها بالمواضيع الراهنة، ترفع مستوى المضمون والنقاش على حدّ سواء.