تشبه فرقة «سفر» السورية، مرحلة توهّج المسرح الجامعي في تسعينات القرن الماضي حينما كانت أسماء كثيرة تستطيع أن تحيل مدرّج الجامعة إلى فضاء مسرحي، وتصنع من قطع أثاث بسيطة ديكور لعرض مبهر، أو أنها تعيد تشكيل حفل التعارف على طريق «الشانسونيه» (الكباريه السياسي) وكان أبرز الاسماء حينها السيناريست فؤاد حميرة. بالمعنى المكثّف، الفرقة اليوم تنجز باللحم الحي مشاريع فنية قيّمة من دون أن تيأس! صحيح أنها انطلقت من عام 1999 لكنّها توقّفت طويلاً، قبل أن تعود قبل سنوات وتبدأ من جديد.. ورغم أن أغنيتها «منذ الأزل» (أخرجها يزن شربتجي ولعبت بطولتها النجمة الشابة نور علي إلى جانب مؤسس الفرقة شادي الصفدي) حققت أكثر من نصف مليون مشاهدة على يوتيوب، إلا أن الفرقة ظلّت بعيدة عن «التريند» بمفهومه الإيجابي، ربما لأن موضة العصر تنأى بنفسها بسبب تسيّد السذاجة على الأسلوبية التي تشتغل بها هذه المجموعة اللطيفة. لكن الأمر اختلف مع أغنية «يا ويل ويلي» (شادي الصفدي، وافي العباس، إياد بريدي، عماد ميهوب، مضر جمول، مهند نصار) التي طرحت للتداول قبل حوالي أسبوع، فأوقفت الشارع ولفتت النظر بصيغة مبهرة. العمل الغنائي يقدّم بصيغة موسيقية غربية قضية خدمية موغلة في المحليّة، فينتعش ربما بذريعة هذا التناقض الصارخ، إذ تلتقط الأغنية موضوعة من نبض الناس وقضاياهم الصغرى، وهي مسألة التقنين الكهربائي المميت! هذه المفارقة هي التي تركت الفرصة أمام العمل، والفرقة لتتحوّل إلى حديث السوشال ميديا! إذا يكفي أن تكتب عنوان الأغنية لتظهر لك كأولى نتائج البحث على غالبية المواقع التواصلية والبحثية، خاصة أنها صوّرت كفيديو كليب بصورة انعكاسية تماماً لحال الشوارع والمحلات والبيوت، وبنظرات عيون تقول برمزية ملفتة: «فحّمت قلوبنا من العتم» هنا يبرز يزن شربتجي مدير الإضاءة والتصوير في الدراما السورية، كمخرج متمكّن يطوّع تذوقه الموسيقي المختلف لصالح الصورة الحياتية التي صنعها في هذا العمل. مؤسس الفرقة ونجمها هو الممثل المحترف شادي الصفدي السؤال الذي يمكن أن يوجّه له كيف لممثلّ ترك بصمته الصريحة بفنّ الأداء، وصار يذكر من بين الأسماء التي تجيد التباينات المختلفة في شغلها، فما الذي يجعله يذهب إلى نوع مختلف من الفن ويخاطر بطريقة ربما يصبح فيها مجرّد رقم في خوارزمية غير منتهية طالما أن الفضاء مفتوح لكلّ من تسوّله له نفسه الغناء اليوم؟!في حديثه مع «الأخبار»، يرد مؤسس الفرقة ومديرها الممثل والمغني والعازف شادي الصفدي على سؤالنا بالقول: «لم أذهب إلى مكان مختلف أو غريب عن التمثيل. الحالتان تشبهان بعضهما بالنسبة لي. الموسيقى متعة كاملة وراحة مطلقة تجعلني أستريح من ضجيج الواقع الذي نعيشه. في النهاية، ربما تكون مخاطرة بأن ينتقل الممثل إلى مغنٍ، وهي صارت موضة لكنّي منذ بدأت، كنت أجرّب صناعة شيء هو أقصى ما يمكنني صنعه وسأستمر متأملاً دوماً بأن يترك انطباعاً جيداً عند الناس هؤلاء من يقررون عنك إذا كان يجب أن تستمر أو تتوقّف. شخصياً لا أحب صوتي ولا أعتبر نفسي مغنياً، يمكن القول بأنني مؤدٍ وأعمل بضمير مهني خالص وغالباً تصلني ردود فعل لها علاقة بالتركيز على كاركتير الصوت»
لكن كيف تمكّنت الفرقة من الاستمرار بدون منتج؟ يشير نجم «ضبوا الشناتي» (ممدوح حمادة والليث حجو) إلى أننا وضعنا يدنا على الوجع لأنه رغم أنّ المشروع جماعي، لكن إنتاج غالبية الأعمال السابقة كانت بنسبة ثمانين في المئة من جيبه، ورغم تحسن العائدات بنسبة بسيطة جداً من حجم المشاهدات من اليوتيوب وغيره، إلا أن هذه العائدات لا تكفي شيئاً، بخاصة أن المشاهدات من داخل سوريا لا تسجّل ضمن المعادلة المالية، ولا تحقق أي عائد مادي ولو تابع كل من يقيم في سوريا الفيديو. رغم كل تلك الأحوال، يؤكد الصفدي: «المشروع مستمّر مهما حصل. يجب أن نتابع ويجب أن تصل الفرقة إلى جميع أنحاء العالم، لأنه رغم كلّ ما يحيط بنا، لا ينقصنا شيء من الموهبة كسوريين حتى نكون حاضرين دوماً وما نحتاجه هو الحافز، ربما هذا الانتشار الذي حققته آخر أغنية هي تحدّ حقيقي لكلّ الضغوطات اليومية التي نعايشها!
طيّب لماذا لم تحقق «سفر» هذا الحضور والانتشار الواضح سابقاً رغم أنها تأسست منذ أكثر من عشرين عام وتوقفت لفترة طويلة قبل أن تعود أخيراً وتقدّم مجموعة أعمال، لكن هذه الأغنية هي الأولى التي تضرب لها كما يقال في سوق الغناء؟ هل السبب أنها لامست حالة حياتية؟ «نؤمن جميعنا كفرقة بأن الفكرة هي السبب الرئيس الذي يتمكّن من الجذب. حققنا حضوراً لا بأس به في غالبية أعمالنا السابق. لكن لعلّ الحالة التي لامسنا فيها الجرح بهذه الأغنية جعلنا نحقق انتشاراً لافتاً، علماً بأننا كما أسلفت لك ننتج من اللاشيء وبدون أي مموّل أو داعم سوى أنفسنا وأصدقائنا الذين يتبرّعون بجهودهم لمساندتنا، هذا التفصيل هو أجمل شيء يمكن أن يحصل معك في عملك»