لا يمكن تصنيف النجم المصري محمد ممدوح كغيره من زملائه نجوم «المحروسة» اللامعين، لأنّ الرجل ببساطة تمكّن من قلب المعادلة رأساً على عقب، عندما أرسى قواعد جديدة للنجومية، تتماهى بالمطلق مع اللغة العالمية والبلاد المتقدمة في صناعة الفن. لا مكان للشكل! أو على الأقل، ستصير نظرتك للرجل تَخلُص إلى وسامة مفرطة، بسبب غلبة أدائه، وسرّ الكاريزما الذي يتمتّع به، والحضور النوعي الثقيل! هكذا، هو «تايسون» كما يلقّبه زملاؤه تيمنّاً بالملاكم العالمي الشهير. بنفس قصير، وصوت مبحوح ومجروح، وبنية جسدية ضخمة، وتقاسيم وجه حادة التناقض، متباينة بشكل صاخب، مرّة تعبّر عن الغضب، ومرّات تجيد صوغ التعبيرات المناسبة للطيبة... لا يمكن أن يمرّ ممدوح من دون أن يترك أثراً بليغاً. أو ربما هذا يحدث عند معجبيه الكثيرين دائماً. هكذا، صار الممثل المصري أخيراً واحداً من النجوم المكرّسين، الذين تفصّل لهم المشاريع لتكون على مقاسات نجوميتهم. بعد نجاحات متلاحقة في التلفزيون آخرها تقاسمها مع منى زكي في «لعبة نيوتن» (تأليف وإخراج تامر محسن)، ها هو الممثل الأسمر يحضر كنجم سينمائي انطلاقاً من بلاده المحترفة في صناعة الفن السابع. وهو الفن الحلم بالنسبة لأي ممثل. فقد عرض ضمن فعاليات مهرجان القاهرة فيلمه «أبو صدّام» (نادين خان- مصر- روائي- عرض عالمي أول96 د- صنع سنة 2021 ــ مشارك في المسابقة الرسمية). الشريط الذي يلعب بطولته المطلقة ممدوح يحكي قصة أبو صدّام سائق الشحن، ذو الخبرة الذي يحصل على مهمة نقل على طريق الساحل الشمالي، بعد انقطاع عن العمل دام لسنوات. يقرر أن ينجز مهمته على أكمل وجه كما يليق بسمعته، لكنه يتعرض لموقف صغير على الطريق فتخرج الأمور عن سيطرته، بعد أن تصرّ فتاة على مزاحمته على الطريق، فيثور غضبه بدون أن يتمكّن من لحاقها. ثم يصادفها في استراحة على الطريق ويبدأ بتوبيخها بشكل غير مباشر، ومن دون أن يوجّه كلامه لها، بعد أن يجرح لها سيارتها بمفتاحه، يخرج مزهّواً كأنه حقق انتصاراً كبيراً، لتأخذ الفتاة نفسها وتهرب. يكمل مشواره ويمرّ على فرح أقرباء زوجته، وثم يستغل عطل سيارة الراقصة الشعبية، فيطلب منها مرافقته، وتنشب بينهما مشكلة تجعلها تضربه وتهرب. بعد ذلك، يوقفه حاجز على الطريق لوقت طويل بسبب بلاغ على سيارته. يعرف بأن الفتاة التي تشاكل معها هي سبب ما يحصل له. كل رحلته سيقاسمه فيها صبي يافع، يريد تعلّم المصلحة، فيما يمكن عنونة هذه الرحلة بعراكاته مع زوجته على الهاتف. بين الفينة والأخرى، يجرّب اليافع سرقة أموال لصاحب السيارة، ومن ثم يتراجع في محلات عديدة خوفاً من أبو صدّام. القصة عادية جداً، تخلو من التصعيدات التشويقية المعتادة، والذروة الدرامية التقليدية عند صناعة السينما لكنّ الملفت فيها هي أن غالبيتها تدور في كبين الشاحنة، وتركّز على سائقها كأنها تصنع عنه بورتريهات حكائية متلاحقة يجيد في سبك أداء مناسب لها، بلوازم لفظية مثل «أنا أبو صدّام ملك الطريق» ولوازم حركية كتفقدّه شعره بشكل دائم، وتسير على خط أفقي مع ذلك ليونة واضحة في التقلّب المزاجي الحاد للشخصية، وتبدلّها بين العنف والطيبة، أو بين البساطة والعند الشديد! تبرع المخرجة في خلق كوادر ساحرة. كأنها تربّت على الطريق، وشغفت بإضاءة السيارات الشاحنة التي تقطف حصّتها من إسفلت الشارع، وتبرع في صوغ لغة شوارعية بليغة وحكيمة تترك جملها بإحكام على خلفية تلك السيارات مثل: «لو كانوا أحبابك ورق، إيّاك أن تكون الريح» أو «إذا خانك أحد فاشتر له كلباً كيّ يعلّمه الوفاء» أو حتى الجمل الكوميدية «حماك الله من الميكانيكي» و«شيل عيونك عنّي تركني اعرف سوق». المهنة هذه ورمزيتها، والدلالات المفتوحة للشارع ورحلة السائق ربما تكون أحياناً مادة خصبة لفيلم سينمائي. لعّلنا نتذكر هنا أنه في حوارات سابقة لممثلين سورين مثل الراحل نضال سيجري والنجم فادي صبيح قالا صراحة بأنهما لو لم يكونا ممثلين لكانا سائقي شاحنة على طريق سفر طويل!