ضجّ الفضاء الافتراضي خلال الأيام الفائتة بالحديث عن مشاركة الممثلة الصهيونية شيرا هاس في دورٍ رئيسي في فيلم تنتجه شركة «مارفل» استكمالاً لسلسلة أفلام الأبطال الخارقين «كابتن أميركا» الشهيرة. رفعت شركة الكوميكس المعروفة، والتي تملكها «ديزني» الأميركية، الصراع مع شركة «دي سي» من خلال اختيارها ممثلة عبرية ثانية في دورٍ رئيسي بعد الصهيونية نتالي بورتمان في دور «دكتور جاين فوستر»؛ فيما لا تمتلك «دي سي» حالياً إلا ممثلة عبرية واحدة في دورٍ رئيسي وهي غال غادوت من خلال أدائها لشخصية «المرأة الخارقة». لا يخفى على أحد أنّ كثيرين في الغرب ينظرون إلى «الموساد» على اعتبار أنّه جهاز استخباري عسكري رائد ومتفوّق، الأمر الذي دفع بالعديد من الأفلام والمسلسلات الغربية إلى استخدامه كرمز «للقوة» و«الصلابة» والتدريب الجاد (أفلام «ميونخ» و«الحرب العالمية زي» و«لا تعبث مع زوهان» و«الطبيب الألماني»، ومسلسلات كان آخرها «طهران»). أعمال صنعت نوعاً من الأسطورة حول الجهاز الأمني الصهيوني قلَّ نظيرها. لذلك لم يكن مستغرباً البتة أن نجد إحدى أهم شركات الكوميكس في العالم تشرك بطلة كيان الاحتلال الوحيدة عندها والتي تسمّى «صابرا» (اسمها الحقيقي في الشرائط المصوّرة روث بات صيراف) ضمن فيلم «كابتن أميركا: نظامٌ عالمي جديد» الذي يتوقّع وصوله إلى الصالات في عام 2024.صابرا؛ تعريفاً بدايةً ككلمة تأتي بمعنى الجيل الجديد من الصهاينة والذي وُلد لأبوين صهيونيين احتلا أرض فلسطين. أي أنّ «صابرا» هي من الجيل الجديد من الصهاينة والذي وُلد في كيان الاحتلال. أما أصل الشخصية في الكوميكس، فهو حين رسمها الفنانان الأميركيان سال بوسكينا وبيل مانتلو في عام 1980، ومرّت بشكل عابر في العدد 250 من «هالك الرائع»، ثم عادت لتظهر أكثر بعدها بعام في العدد 256 من السلسلة نفسها. لم يتحمّس القرّاء للشخصية، ولم ينظروا إليها على اعتبار أنّها تستحق أي اهتمام، فظلّت هامشية تمرّ أحياناً في قصص «مارفل»، وإن كانت أغلب صراعاتها مع شخصية «هالك»، الكائن الأخضر الضخم ذو طاقة «غاما» المدموجة بشخصيته. لم يعرف عن الشخصية أي أهمية أو دور في قصص «مارفل» الكبرى كـ «الحرب الأهلية» أو «بيت م» أو «الحرب الأهلية 2»، سوى مرورها مرور الكرام وغير ذات أهمية. رُسمت الشخصية الأصلية على اعتبار أنّها من مواليد القدس، باعتبار أنّ كيان الاحتلال يراها مدينته الرئيسية (بعد العاصمة تل أبيب)، وقد تربّت بعدما ظهرت «قواها الخارقة» في إحدى المؤسسات التابعة للدولة والتي ترعى هذا النوع من القوى، ثم انضمت لاحقاً إلى جهاز الموساد بصفة «عميلة». لاحقاً، ولقلة معرفة «مارفل» كتّاباً ورسامين بمنطق العمل داخل الكيان العبري، فقد أسندوا إليها دور «شرطية» بالإضافة لكونها «عميلة موساد»، وهذا أمرٌ لا يحدث لا نظامياً ولا منطقياً، فهذين جهازين مختلفين أساساً، فضلاً عن أنّه ممنوع على عميل الموساد أخذ أي «وظيفة أخرى» أثناء تأديته لمهامه. طبعاً، هي بقيت في القصص «عميلة موساد»، لكن استخدام دور «الشرطية» كان لتظهير مقتل ولدها في عملٍ إرهابي، عربي بطبيعة الحال. لاحقاً، تخالف «صابرا» الأوامر وتسعى خلف من قتلوا ابنها، وهي كما أشرنا قصة هامشية، وليست بغير أهمية سوى لإعطاء قصص «مارفل» أبعاداً عالمياً من خلال إدخال الصراع مع الإرهاب والصراع العربي الإسرائيلي حكماً في قصة كوميكس. قوى «صابرا» الخارقة ـــ وللمفارقة ـــ تستمدها من الأرض التي تأتي منها، وهي قوى عضوية، أي أنّها خارقة القوة، وتستطيع رفع أوزان هائلة، فضلاً عن مهاراتها القتالية التي حازتها من التدريب مع الموساد. اللافت أن اسم «صابرا» الحقيقي، أي روث بات صيراف، جزءٌ منه عربي، وهذا يخالف إلى حدٍ ما فكرة أن تكون «صابرا». إذ إن معظم الـ «صابرا» هم من الأشكيناز، أي اليهود الغربيين، وبالتالي كان يجب على صنّاع الشخصية أن يعطوها اسماً أوروبياً أكثر، لكنّهم لقلة معرفتهم حتى باللغة العبرية اعتبروا أنّ أي اسم مشرقي ينفع في هكذا نص. ويذكر أنّ بليندا غلاس، وهي زوجة مارك غرينوالد أحد كتّاب ورسامي شركة «مارفل» الرئيسيين، هي من اقترحت فكرة الاسم.
في الختام ليست «صابرا» بطلة معروفة لقرّاء الكوميكس، وليست مهمة كذلك، لكن «مارفل» و«دي سي»، خلال الأعوام الفائتة، منحتا بعض الشخصيات حجماً ومقياساً أكبر، كما حدث مع «ميس مارفل» (من مارفل كوميكس) أو هارلي كوين (من دي سي). السؤال الأهم والذي ينبغي طرحه هنا هو: لماذا؟. فليس هناك حاجة فعلية لتعويم «عميلة موساد» كبطلة. ففي عصر السوشال ميديا، بات الموساد يظهر على أنّه جهاز «أمني» لا أكثر ولا أقل، مليء بالثغرات والعثرات والعيوب. فهل هي محاولة لتعويم الموساد وتلميع صورته وتجميله، وإضفاء نوع من «القوة» و«الجمال» في آنٍ معاً عليه؟ فضلاً عن إضفاء نوع من «البطولة الوهمية» على جيش الاحتلال، والتي فقدها خلال الأعوام العشرة الأخيرة؟ أم أنّها جزء من المنافسة مع «دي سي» من خلال إحضار ممثلة صهيونية معروفة في الداخل الصهيوني ومغازلة الصهيونية العالمية واللوبي الصهيوني بمواجهة غال غادوت و«امرأتها الخارقة»؟