ذياب مشهور البوخابور (1946/2022) الاسم وحده يشبه مطلع قصيدة باللهجة الديرية! لن يحتاج أحد ليكون على علم ودراية بتاريخ أشهر مغني المنطقة الشرقية في سوريا، والمعروف بذياب مشهور، لتكتمل عنده مواضع البلاغة والصور الآسرة في هذا النص الشعري الساحر، بخاصة أنه ينحدر من بلدة «الموحسن» (20 كم شرق مدينة دير الزور) أو «موسكو الصغرى» كما يحلو لأهل الجزيرة والسوريين في غالبيتهم تسميتها لأنها كانت معقل الشيوعيين والمثقفين، ولإيمان عدد كبير من أهلها بالأفكار الاشتراكية، إضافة إلى ميولهم القديمة نحو الثورة ضد الإقطاع منذ أواخر الأربعينيات.رحل أوّل من أمس نجم دير الزور الأوّل محاطاً بمحبة عائلته وكرم نقابة الفنانين السوريين معه. لكّنه كان بعيداً عن محافظته المترفة بجمالها وبراعة طبيعتها، وطيبة وضيافة أهلها، والمنسية من قبل ومن بعد من قبل السلطة!
مضى صاحب «يا بو رديّن» إلى غير رجعة بعدما حزن أخيراً على العبث بتاريخه من دون أخذ موافقته من قبل فرقة قائمة على المناطقية والطائفية، يمكن وصفها بثقة أنها من مخلفات الحرب. لكن حتماً نقطة لن تلّوث سيلاً جارفاً من النقاء في الغناء الوازن، والحنية في الأداء، والقدرة الصريحة على التأثير الصارخ بالمستمع. حفر مشهور الصخر بإبرة. فعلياً كان يفعل ذلك حتى تمّكن من الوصول إلى عتبة الشهرة الواسعة، وربما ساعده ظهوره في أعمال دريد ونهاد التي كان يغني فيها ضمن سياق درامي مدروس! منذ عام 1956 بدأ المشوار الصعب، وفي البداية اعتمد على قدرته السمعية والتعلم على يد الموسيقي الكفيف يوسف جاسم، الذي عثر عليه في منطقته ليدرّسه المقامات الشرقية وفنون الأداء. استطاع أن يؤلف كلمات أغنياته ويضع ألحانها بنفسه، وكان مشروعه هو نشر الأغنية الفراتية السورية، التي عمل عليها منذ السبعينيات، إلى أن قرر الاعتزال في سنة أواخر سنة 2004. مطلع 2005 تم تصنيفه كمطرب في إذاعة دمشق أيّام عز الإذاعة وحينما كانت تطلق العمالقة، بموجب قرار لجنة مكونة من مجموعة من الفنانين الكبار.
في حديثها مع «الأخبار»، تقول ابنة الراحل ديمة ذياب مشهور : «في سنة 2004 أدى والدي فريضة الحج مع والدتي ومنذ ذلك الحين قرر الاعتزال. ولعلني اليوم أشعر بالفخر فعلياً فيه وهو يسدل ستار الختام بعد كلّ ما أنجزه، بخاصة عندما أسمع آراء نخبوية حول سويته الأدائية، وموهبته الاستثنائية. اتصال جريدتكم هو الوحيد الذي أتاني من منبر إعلامي، إضافة إلى إذاعة «شام إف إم» التي أجرت لقاء قصيراً معي أمس لأحكي فيه عن والدي، بينما غابت كلّ المحطات والمنصّات والصحف في المطلق. واقتصرت نعوته على السوشال ميديا. ربما هذا ليس بالوقت المناسب لمثل هذا الحديث. لكني كنت أتمنى عزاء يليق بمقامه». توضح الشابة السورية التي تقيم في أوروبا مع عائلتها وسبق لها أن خاضت مجال الغناء ومن ثم ابتعدت عنه. وتضيف: «الوسط الفني السوري في وضع تعيس حقيقة في تعاطيه مع الأسماء التي كرّست التراث وسيّجت مناطق خصبة فنياً بمنجزها»
على ضفة أخرى، تحكي لنا عليا الحسن المدرّسة السابقة والديرية النازحة إلى الحسكة منذ سنوات، أثناء حديثها الوجداني السريع عن ذكرياتها مع أغاني مشهور: «كان الراحل يمثل تراث مدينة دير الزور بالأغنية الفراتية، وقد كان حاضراً دائماً في الحفلات الشعبية والمناسبات والأعراس، مهمّته العالية أن يُطرب أهالي المدينة لأنه يعبر عن تراثهم وبيئتهم الفراتية، أما عن أغانيه المحفورة في ذاكرتنا التي كنا مدمنين على دندنتها أثناء أعمالنا المنزلية، فأكثرها انتشاراً كانت «يا بو رديّن» و«ع الماية ع الماية» ليبقى للعتابا حصّة يسيرة من فرحنا ومساحة وافرة من أحزاننا».
يقول لنا شيحان المصلح وهو أحد رفاق الراحل في زمنه الجميل: «كان ذياب مشهور نجم مرحلة شبابنا. رافقنا صيفاً على ضفاف الفرات، وشتاء حول مواقد الحطب بصوته الآسر وخاصة في «تعاليلنا» على كتف النهر، فعلياً كان من ألمع الأصوات وأعذبها إلى جانب عدد من مغني الفرات أمثال عماد جراد، محمد هزاع، ونبيل الأغا»