غيّب الموت أمس الإثنين المخرج والمنتج السينمائي عبد اللطيف بن عمّار (1943 ــ 2023) الذي يعدّ من أبرز المخرجين الذين طبعوا السينما التونسية بلمستهم الخاصة.بدأ بن عمّار رحلته مع السينما منذ ستينيات القرن الماضي عندما تخرّج من «معهد الدراسات السينمائية العليا» في باريس. مع عودته من فرنسا في منتصف الستينيات، التحق بـ «شركة الإنتاج والتنمية السينمائية» التي أسّستها الدولة الناشئة لتنمية الإنتاج السينمائي، وانطلق في تقديم أفلام تسجيلية وأخرى قصيرة، منها «القيروان» و«الصادقية». لكنّ الشريط الذي لفت إليه الانتباه هو الروائي الأوّل في رصيده «حكاية بسيطة كهذه» الذي قدّم من خلاله لغة سينمائية تحمل الكثير من التكثيف والشعرية، وكان أوّل فيلم تونسي يصل إلى «مهرجان كان السينمائي الدولي» سنة 1970، وحاز «التانيت البرونزي» في «أيام قرطاج السينمائية». وفي سنة 1974، قدّم الراحل شريطه الثاني «سجنان»، ثمّ أفرج في 1980 عن فيلم «عزيزة» الذي تُوّج بـ «التانيت الذهبي» لـ «أيام قرطاج السينمائية».
وبعد غياب طويل، عاد إلى الأضواء بشريط «نغم الناعورة» ثمّ بـ «النخيل الجريح» آخر أفلامه. بعده، قدّم سلسلة تلفزيونية بعنوان «خطى فوق السحاب».
ورغم أنّه كان قليل الإنتاج قياساً بمخرجين آخرين، إلّا أنّ كل أعماله كانت علامات في مسيرة السينما التونسية. وقد تميّز بن عمّار بالتزامه بالدفاع عن العدالة الاجتماعية وحرية المرأة وتقديم قراءات مغايرة للحركة الوطنية وعدم اختزالها في شخصية الزعيم الحبيب بورقيبة، وهو ما جعل من معظم أعماله غير مرحّب بها، لأنّها خارج القراءة الرسمية للتاريخ.
وبرحيل عبد اللطيف بن عمّار، تفقد السينما التونسية أحد المخرجين والمنتجين الكبار الذين كانوا حاضرين على مدى ستين عاماً كمخرج ومنتج ومساهم في التشريعات المتعلقة بالفن السابع ومساند لحركة نوادي السينما. ترجّل بن عمار قبل أن يتمكن من تحقيق حلمه بإنتاج وإخراج فيلم يتناول العدوان الفرنسي على قرية ساقية سيدي يوسف (شمال البلاد) سنة 1958، عقاباً لتونس المستقلّة حديثاً على احتضانها لفصائل «جبهة التحرير الجزائرية».