تقول ميمي جمال في إحدى المقابلات الإعلامية بأن أجمل ذكرياتها كانت تلك التي عاشتها في بيروت قبل سنوات، على اعتبار أنّ الفنانة المصرية المخضرمة كانت مواظبة على المجيء إلى لبنان، حيث قدّمت أهم أعمالها المسرحية مع نخبة من أبناء جيلها. يتوقف كثيرون عند العلاقة التي تربط الفنانين المصريين بلبنان والعكس صحيح. ما يُجمع عليه هؤلاء أنّ المغني العربي الذي يريد ترسيخ نجوميّته، يجب أن ينجح في القاهرة وبيروت على حد سواء. في تسعينيات وألفي القرن الماضي، كانت بيروت قِبلة المغنين المصريين الذين كانوا يحملون لقب «جيل التسعينيات» من بينهم: مصطفى قمر، وعمرو دياب، وإيهاب توفيق ومحمد فؤاد وغيرهم. عرف هؤلاء شهرةً في بلدهم، لكن نجوميّتهم صُمّمت وطُبعت ونفّذت في بيروت، بل إنّ بعضهم استقرّ في العاصمة اللبنانية، واشترى منازل في مناطق متعددة أبرزها وسط المدينة.
يستعد تامر حسني لإحياء سهرة في بيروت في 8 تموز المقبل

هذه الفورة الفنية دامت فترة طويلة، قبل أن تأتي التغييرات السياسية الأليمة التي عاشتها البلاد لتقلب المعادلة. بدأ حضور الفنانين يتراجع بدءاً من عام 2005 مع اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري وصولاً إلى حرب تموز 2006 ولاحقاً الأزمات السياسية المتعاقبة التي جمدت الأنشطة الفنية وخفّ وهجها كلياً في السنوات العشر الأخيرة. لكن من يراقب الحفلات التي تشهدها بيروت أخيراً، يلاحظ عودة حضور المغنين المصريين إليها، من بينهم نجوم التسعينيات إيهاب توفيق، مصطفى قمر، وهاني شاكر، إلى جانب تامر حسني وحسن شاكوش وغيرهما. مع العلم أن سوق الحفلات قد تراجع في لبنان خلال الفترة الماضية مع اشتداد الأزمة الاقتصادية على إثر ارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة اللبنانية، ناهيك بالفورة الفنية المثيرة للجدل، التي تشهدها السعودية. فما هي الأسباب التي أدت إلى عودة المغنين المصريين إلى لبنان؟
يعزو بعض منظّمي الحفلات فورة سهرات المغنين المصريين في بيروت إلى عوامل عدة، منها الأزمة الاقتصادية في مصر مع ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه، إضافة إلى عوامل أخرى ترتبط بالوضع الفني في العالم العربي. يُجمع هؤلاء أنه كان للفنانين المصريين حصة لافتة في الانفتاح الخليجي الإعلامي والفني. فقد فتحت الرياض ذراعيها لمجموعة كبيرة من النجوم المصريين، لكنها في المقابل غيّبت آخرين من بينهم نجوم التسعينيات. مقابل كثافة السهرات في الرياض التي تنظّمها «الهيئة العامة للترفيه» التي يرأسها تركي آل الشيخ، وتكرار سهرات أنغام ومواطنها عمرو دياب (وغيرهما)، كان هناك تهميش لمغنين آخرين وجدوا في بيروت ملاذاً لهم.
يؤكد المتابعون للمهرجانات والحفلات أنّ الخريطة الفنية العربية شهدت تغييرات في الأعوام الثلاثة عامة وتحديداً بعد جائحة كورونا. في مصر، تعاني السوق الفنية من أزمة مالية في ظل ارتفاع الدولار مقابل الجنيه، ما أدّى إلى تجميد السهرات. أمر أجبر المغنين على الهجرة، فكان لبنان مقصداً لهم حيث يتمتّعون بشعبية، مقابل ميزانيات مقبولة للحفلات تدفع بالدولار الأميركي. من هذا المنطلق، أحيا إيهاب توفيق حفلة في بيروت في 3 حزيران (يونيو). النجم المصري كان من أهم نجوم التسعينيات، لكن شهرته خفتت مع بروز أسماء أخرى، ولم يكن ضمن لائحة «أبو ناصر» الفنية في المملكة. ويستعد تامر حسني لإحياء سهرة في 8 تموز (يوليو) على مسرح «فوروم دو بيروت». ستشهد الحفلة حضور 4 آلاف شخص (الرقم قابل للارتفاع)، بينما تراوح أسعار البطاقات بين 65 دولاراً و 300 دولار أميركي. وتلفت المعلومات لنا إلى أنّ حسني تقاضى مبلغاً كبيراً من اجل حضوره إلى بيروت بعد غياب سبعة أعوام عن السهرات في العاصمة.
غُيّبت عن سهرات الرياض مجموعة من نجوم التسعينيات


على الضفة نفسها، يستعد هاني شاكر لتقديم سهرة في 14 تموز المقبل في أحد مطاعم صور (محافظة الجنوب). توضح المصادر أنّ شاكر لم يتقاض مبلغاً كبيراً مقارنة بمواطنه تامر حسني، على اعتبار أن المغنين الجدد طغوا على المخضرمين. لا تعتبر سهرة صور الأولى لنجم أغنية «بعشق ضحكتك»، بل سبق أن أحيا حفلات عدة في بيروت، مثنياً على العلاقة الوطيدة مع جمهوره اللبناني.
كذلك، يطلّ مصطفى قمر في 1 تموز في أحد الفنادق ضمن سهرة خاصة بعيد الأضحى. توضح المصادر بأن أسعار بطاقات نجم التسعينيات، تُراوح بين 75 و125 دولاراً أميركياً. ويعتبر قمر من بين المغنين الذين يتمتعون بشعبية في لبنان بعد ازدهار أعماله الرومانسية، ولكنّ نجوميّته لم تستمرّ طويلاً مع ولادة نجوم آخرين على الساحة.
ليس نجوم التسعينيات وحدهم الأكثر حضوراً في بيروت، بل إنّ المغنين الشعبيين حجزوا إطلالاتهم في المدينة. خلال الأشهر الماضية، كانت بيروت محطة بارزة لأولئك المغنين الذين أحيوا سهرات في منتجعات وفنادق متنوعة من بينهم حسن شاكوش وعمر كمال. وتكشف المصادر أنه يتم التفاوض مع نجوم مصريين للمشاركة في المهرجانات الصيفية ومن بينهم شيرين عبد الوهاب.