تطوان | وأخيراً التقى مرسيل خليفة بجائزة «زرياب للمهارات». كما يلتقي جبلان في الأعالي. أو كما تلتقي ريح ريحاً لحظة اندلاع العاصفة. تعانق الرجلان في مدينة تطوان المغربية. وكانت المناسبة أعراس العود. في افتتاح «المهرجان الدولي الخامس عشر للعود» الذي نظمته وزارة الثقافة المغربية في مسرح «اسبانيول» العريق في تطوان، منح «المجلس الوطني للموسيقى»، عضو «المجلس العالمي للموسيقى» التابع لليونسكو جائزة «زرياب» لسنة 2013 لصاحب «سقوط القمر». لكن القمر لم يسقط تلك الليلة. حينما سلّم رئيس المجلس الفنان حسن مكري الجائزة لمرسيل خليفة، تدفق الجمهور الحاشد بصوت هادر: «منتصب القامة أمشي، مرفوع الهامة أمشي، في كفي قصفة زيتون». وعلى الأكتاف، لم تكن هناك نعوش، بل أقمار صغيرة من ضوء وحنين تتلألأ احتفاءً بصاحب الكونشرتو الأندلسي.لم يكن اللقاء احتفالاً فقط، بل فرصة للتأمّل في تجربة فذّة. لذلك جاءت الندوة التي خصّصها مهرجان تطوان، لتجربة مرسيل خليفة البالغة الثراء. عازفا العود المتميزان العراقي نصير شمة والمغربي إدريس الملومي، مارسا وساطة نقدية رفيعة جعلت جمهور تطوان يأخذ فكرة أوضح عن التحوّلات التي عرفتها تجربة مرسيل، وخصوصاً مع «جدل» و«كونشرتو الأندلس» اللذين فتحا تجربته الفنية على العالمية، إنما دون تفريط في جحافل المحبين الذين ارتبطوا بالمضمون الثوري لأعماله الأولى. حرص مرسيل على استدراجهم برفق باتجاه منطقة الحلم والتجريب. في «كونشرتو الأندلس»، جازف مرسيل وهو يزجّ بالعود في حوار صعب مع أوركسترا سيمفونية كبيرة. لكن رهافة العود أثبتت في هذا العمل تحديداً أنها أكثر صلابة من الفولاذ. فقد ظلّ عود خليفة سيداً على طول الكونشرتو، يعرف كيف يعيد الأمور إلى نصابها مهما شطَّت الآلات وتداخلت المرجعيات. السوبرانو المغربية سميرة القادري، المديرة الفنية لـ«مهرجان العود»، وكريمة الصقلي (أسمهان المغرب) أكدتا في شهادتيهما مدى تأثير مرسيل بأرقى التجارب الفنية المغربية. فهو دوماً في الخلفية مثل حارس للظلال يرعى التجارب الجميلة ويحسن احتضانها.
في «مهرجان العود» الذي احتفى هذه السنة بالعراق وبفارس العود العراقي نصير شمة، وكرَّم المطرب المغربي محمود الإدريسي، واستضاف الإيراني حسن طبر والأرميني هايك يازجيان والمصري محمد أبو ذكرى واليوناني ستيليوس بيتراكيس والمغربي عبد الحق تكروين، كانت الأندلس عنوان هذه الدورة. الأندلس ليست فترة من تاريخ غابر ولا منطقة جغرافية في الجوار، ولكنها حالة إنسانية وإبداعية نادرة. لقاء خلاق بين الثقافات. حوار الأصل فيه الإنصات. لذلك، كان مرسيل خليفة أندلسياً مع سبق الإصرار في مساره وتآليفه، وكان جديراً بزرياب، مع العلم أنّ حصول هذا الأندلسي اللبناني على جائزة «زرياب» في دورتها الحادية عشرة يمكن أن يشكّل انطلاقة جديدة لهذه الجائزة التي تطمح إلى أن تصير رسالة اعتراف من الأندلس الحية الباقية. الأندلس المحفوظة هنا على الأرض المغربية إلى تلك الثلة النادرة من أندلسيي الفن الجميل في العالم العربي.