يقولون إنك مت يا خالد. إنها شائعة يسهل تكذيبها. أنت في تخدير عام وقد أقنعوك للمرة الأولى بأنه لا يشبه الموت، وكم كنت تكرهه حين لم تقبل إلا بتخدير موضعي، ورحت تراقب على شاشة كل ما كان يفعله الأطباء بجسدك في روستوك. أنت يا من قتلت المرض مرات، سددت له ضربات قاضية، إلى أن استقر في رئتك فرحت تمطره بوابل من السجائر حتى آخر ذرة أوكسجين.
ما زلت ملاكماً يدخن «غولواز» أصفر كعادتك، و«سائق الشاحنة» الذي يعشق عرق «الريان»، العاشق ذو الجهوزية الأبدية للغرام والتهام الحياة. أدوار كثيرة لم تؤدها، وما زال الحلم وارداً بأن تجسد «جلجامش» وإن كان الخلود بالمتناول. ما زال «دونكي خوته» ينتظر أن تجسده ولم أعد أتخيله إلا أنت بجسدك المترامي وصوتك القوي المجلجل وتلك اللهجة الدمشقية المرنمة. إنه أنت تماماً وأنت تخوض حروباً يومية مع طواحين الهواء لأنك تؤمن بالحلم، وتحقيقه ليست إلا مسألة وقت. الوقت «ضريح الآمال والرغبات كلها»، الوقت الذي كنت تطبق عليه بيديك فيتسرب من بين الأصابع لتقول كما ماكبث: «الحياة ظل يمشي، ممثل مسكين، يتبختر ويستشيط ساعته على المسرح، ثم لا يسمعه أحد، إنها حكاية يحكيها معتوه، ملؤها الصخب والعنف».

أقع على شكسبير في بيتك في دمر، يمشي بحذر على رؤوس الأصابع بين الانتيكات والتحف، تسأله إن كان الحارث بن عباد كما كتبه ممدوح عدوان فيه شيء من هاملت، مات ممدوح وها أنت تفعل الشيء نفسه ولم تقدما «مأساة لير». ثم إن السينما السورية لم تعد أبداً كما كانت حين اقتحمتها في عز عطائها، وكنت «الفهد» وواحداً من «رجال تحت الشمس»، وأكثر من 20 فيلماً انتاج القطاع الخاص، يوم كنت «البطل النقيض» على الدوام وأنت ترفع حاجبك كما توفيق الدقن.

ثمة عداء بينك وبين «الماكير» وأنت تنتقل من دور إلى آخر، ولا تريد لأدائك أن يشبه آخر، لدرجة كنت تريد أن تتخلص فيها من شكلك ووجهك، ولا ينجح «الماكير» في فعل ذلك، كنت تجد في ما تصنعه أمام الشاشة شيئاً يشبه ما يجيب به نجنسكي حين سؤاله عن كيف يقفز ويدور سبع دورات في الهواء: «لا أعرف، أقفز في الهواء، أعد الدورات فأصل الرقم سبعة فأتوقف وأعود إلى الأرض».

واحد، اثنان، ثلاثة. أتذكر كل من كنت تحبهم، وأنت تلتقي بهم الآن، قد تقول لستانيسلافسكي أنا مثلك «أنا أشعر إذن أنا أفكر». أربعة، خمسة. قد تلتقي ممدوح عدوان وتشرب نخب سوريا الحزينة المفجوعة على أمل وغد مشرقين. ستة، سبعة، وعداد الأموات يتواصل، والموت سوري بامتياز، ولهذا رضيت أن تموت، وصعدت مع عشرات السوريين الذين يصعدون يومياً إلى السماء.