البابا فرانسيس «يغازل» الملكة إليزابيث الثانية، يقاطعهما في المنتصف «الصاح» الشخصية الرئيسية من فيلم «ليباوسكي الكبير» (الأخوان كوين ـ 1998 ـ راجع الكادر أدناه). هذه «المغازلة» هي روح فيلم الإيطالي باولو سورينتينو، أحد الأفلام القصيرة التي تقدمها نتفليكس بعنوان «صناعة منزلية». 17 فيلماً قصيراً من توقيع مخرجين من مختلف الجنسيات، كانوا خاضعين، كسائر الكوكب، لقواعد الحظر المنزلي من جراء جائحة كورونا. هذه الأفلام، التي تتمحور حول تجربتهم، تذكرنا قليلاً بحركة «دوغما 95» (حركة تهدف لتنقية صناعة السينما من المؤثرات البصرية وعمليات التحسين المكلفة، والتركيز على القصة الفعلية وأداء الممثلين) لكنّها تفتقر للمسة الاستفزازية للمخرج الدنماركي لارس فون ترير.
من فيلم الإيرانية آنا ليلي أميربور

«سفر إلى آخر الليل» هو عنوان فيلم سورينتينو، حيث يجتمع البابا والملكة (على شكل دمى فخارية) في الفاتيكان. الملكة (صوت أوليفيا ويليامز) لا تعرف كيف تُعد الشاي، وفرانسيس (خافيير كامارا) يقترح رؤية فيلم «الباباوان» فيما هي تفضل مشاهدة مسلسل «التاج» (كلاهما على نتفليكس). ينتهي بهما الأمر بالرقص والسباحة عاريين. «أنت وأنا مجرد رموز، لهذا السبب لا نجيد فعل شيء». يشبه سورينتينو نفسه دوماً، حتى في فيلمه غير المألوف الذي يقدمه من المنزل بطريقة استفزازية لكثيرين. لكن قبل أن نصل إلى سورينتينو، وجدنا وجهاً مألوفاً في الفيلم الأول من هذه السلسلة. باز (الحسن لي) الطفل الذي امتلك «دراون» في فيلم «البؤساء» (2019) للمخرج الفرنسي لادج لي، يعود في فيلم من توقيع المخرج نفسه. يقضي باز وقته بين هاتفه الخلوي، والقراءة والدراسة والتحكم بالدراون من شرفة منزله ليصوّر الحي الذي يعيش فيه والشقق السكنية المزدحمة والناس المحاصرين في بيوتهم وصفوف المنتظرين خارج المحالّ التجارية في هذه الضاحية الباريسية. وإذا كان الوباء أظهر الإمكانات المتميزة للبعض، وأجبر آخرين على نظام العمل عن بعد؛ فإن القصص الشخصية والوثائقية لصنّاع الأفلام، من خلال الخيال والتوغلات الشخصية والموسيقية والتصورية، تُظهر أنّ المخرجين يمكن أن يصنعوا أفلاماً بطريقة بسيطة وبرفاهية أقل. التشيلي سباستيان ليليو («غلوريا»/ 2013)، «امرأة رائعة»/ 2017) كان متميزاً من بين الأفلام، وضع غناء أماليا كاسال في مكان بين السينما والمسرح والرقص التمثيلي. أماليا تستحق جائزة أفضل ممثلة في هذه الأفلام القصيرة، فهي رائعة تركتنا متأملين أن لا ينتهي الفيلم أبداً.
أعمال تذكّرنا بحركة «دوغما 95» لكنّها تفتقد لمسة لارس فون ترير الاستفزازية


قدمت الإيرانية آنا ليلي أميربور («فتاة تذهب وحيدة إلى المنزل في الليل»/ 2014) في فيلمها مدينة لوس أنجلوس المهجورة. واستفاد أنطونيو كامبوس من أصدقائه لخلق قصة غامضة تمر بها عائلة صغيرة. ماغي جيلينهال استخدمت زوجها كممثل في فيلم خيال علمي صُوِّر في منزلها الريفي، مستوحى من حلم يمارس فيه زوجها الجنس مع شجرة. أفلام أخرى قصصها أكثر شخصية، تظهر الحياة اليومية وعلاقات مخرجيها بالعائلة، وخاصة الأطفال مثل أفلام غريندر شاذا (لندن)، وديفيد ماكنزي (غلاسكو)، وناتاليا بيريستين (مكسيكو سيتي) وراشيل موريسون (لوس أنجلوس) ونادين لبكي وخالد مزنر (بيروت)، إذ يتمحور فيلم الثنائي حول تصوير رحلة مرتجلة لمخيلة ابنتها ميرون في غرفة صغيرة مليئة بالأغراض، وسرعان ما يتخذ الفيلم بُعداً آخر.
17 فيلماً لتمرير الوقت والاستمتاع بشيء خفيف، تراوحت بين الواقعية والهلوسة الشبيهة بالحلم والتأمل، تماماً مثل الأوقات التي نعيش فيها، مع قليل من الدراما والفكاهة والحركة والغموض... انعكاس لكل ما شهدناه في الأشهر الأخيرة.

* Homemade على نتفليكس



الصاح ووولتر ودوني... إنّهم أنتم أيها الأصدقاء!
لا أدري إن كنتم تعلمون عن «الصاح» The Dude، لكن دعوني أخبركم عنه: هو الرجل الهادئ. يعيش من أجل نفسه وأغراضه لا أكثر ولا أقل. يعيش بسهولة وبساطة. لا يعير الأموال اهتماماً. لا يريد سوى حياة تتطابق مع أهوائه. عاطل عن العمل. لا يكترث بمظهره الخارجي ولا يهتم لكلام الآخرين. يحب البولينغ، وإياك أن تلمس طاباته! والأصح؛ احترس الاقتراب من أشيائه، والأهم حصيرته. يحب سماع الموسيقى وشرب الكوكتيل. كسول. يتمتع بفلسفة خاصة.

مشهد من فيلم The Big Lebowski

ومن دون أدنى شك، تمكّن من فهم لغز الحياة. إنه المسالم، لا يريد شيئاً من أحد. قريب إلى القلب رغم أسلوبه الغريب وعفويته اللاذعة. يمكن أن تنفر منه، لكنه بالتأكيد سيثير انتباهك بعد أن تتعرف إليه جيداً. لا يسعك إلا أن تحبه. لطالما رغبت أن تكون مثله أو أن تعيش حياة إنسان لا مبالٍ. وقد يكون «الصاح» موجوداً في أعماقك بشكل كبير.أريد أن أعرفكم أيضاً إلى وولتر، زميل «الصاح». يعيش على ذكرى حرب فييتنام لأنها الحدث الوحيد السعيد لديه بعدما هجرته زوجته. إنه يهودي، أو يدّعي ذلك. منحاز إلى أي شيء، عصبي ومزاجي وعنيف، يطلق الأحكام على كل شيء من النظرة الأولى، والأفضل لك ألا تستفزّه. يتصرف قبل أن يفكر. وعلى الأرجح أنّ وولتر أيضاً موجود داخلك. انتظر، انتظر لا تذهب. أتعلم من هو دوني؟ سأخبرك: إنه مسالم وطبيعي مع القليل من العقد النفسية. محبوب لطبيعته الغبية. إياك أن تخبر قصة وتنسى أي تفصيل فيها لأنك ستجده بالمرصاد ليذكّرك بها. يثير غضب وولتر في كل مرة يتفوّه فيها بكلمة. أتعتقد أن دوني ليس موجوداً داخلك؟
الثلاثة: الصاح (جيف بردجز)، وولتر (جون غودمان) ودوني (ستيف بوسيمي) يجتمعون للعب البولينغ، إنهم أصدقاء. الحياة جمعتهم عبر صداقة غريبة وقوية، أطباعهم مختلفة ولكن يجيدون التعامل مع بعضهم البعض بطريقة مبتكرة.
كل ذلك موجود في فيلم«ليباوسكي الكبير» للأخوين كوين. إنه ليس مجرد فيلم كوميدي، ولا مجرد مشاهد مضحكة مع حوارات ذكية؛ بل تحية إلى السينما كجزء من الحياة. كجزء من ذاتنا وعالمنا. شكل من أشكال التفكير بأن الحياة ليست إلا حوادث عشوائية، نواجهها بطريقتنا وشخصياتنا المختلفة. يظهر الفيلم الحياة كأنها دوّامة سريعة ونحن في داخلها نعيش على ذكرى الأيام ولا ندري ما يخبّئ لنا الغد.

* The Big Lebowski على نتفليكس