جسدٌ عارٍ يتجول في المنزل. يدخل الحمام. يتبول. الكاميرا لا تظهر وجهاً. الصورة ملتصقة بالجسد فقط. يرقد في السرير. ثم يمحو الضوء الأبيض المشهد. نتعرف إليه لاحقاً، هو براندون (مايكل فاسبندر). رجل أربعيني بارد الملامح، سجين رغبته المستحكمة: الجنس. رجل ناجح مظهره منمّق. وحيد وعلاقاته غير سليمة. الجنس بالنسبة إليه ليس حاجة فيزيولوجية يمكن إغفالها أو تأجيلها، بل يجب إشباعها بانتظام، تماماً مثل الماء والطعام. فيلم «عار» (2011) لستيف مكوين هو دراسة لسلوك هذا الرجل المريض بغريزته. كيف تحوّل الجنس من متعة إلى مرض؟ كيف بات العار محفوراً في رغبات الإنسان التي لا ينتهي من إشباعها؟
من الفيلم

مشاهد الفيلم ليست اعتباطية أو عشوائية. لكلّ مشهد دلالة على إدمان براندون وعلاقته المميتة بالجنس. عندما يذهب إلى الحمام خلال دوام العمل يكون للاستمناء، عندما يلمح امرأة لا يفكّر إلّا جنسياً. عندما يفتح جهاز الكمبيوتر يكون المحتوى إباحياً. هكذا جعل المخرج ستيف ماكوين من تتبع الفيلم سلسلة لا يمكن مقاطعتها. التفاصيل، الأحداث، المشاعر والغاية من إظهارها كلها واضحة لا لبس فيها. الصورة تتعامل ببرود مع الأجساد العارية. لا تملق أو تجميل. تتكرر المشاهد الجنسية. في مكان ما، نصبح براندون. نرى بعينيه. نستبق نظراته ومشاعره. فجأة تصبح دلالة كلّ حركة أو مشهد في الفيلم بالنسبة لنا كمشاهدين دلالة جنسية، تماماً مثل براندون.
السيناريو ليس اعتيادياً، مشاهد الجنس، المثيرة عادة، تصبح في «عار» غير مريحة باردة وموحشة. يقتاد براندون النساء ليصل بهن إلى غرفته، ليس هذا المشهد بمثير أبداً. لفرط ما تنعدم المشاعر، قد لا نصدّق أن هذا الذي نراه هو جنس، بل شيء آخر لا نفهمه... لكنّ الوضع لن يبقى على حاله. سيسي (كاري موليغان) شقيقة براندون، تحلّ ضيفة مفاجئة وغير مرغوبة لتقلب حياة أخيها.
هنا يتطور «عار» ليصبح أكثر تعقيداً، ولكن بطريقة ما نتمكن تدريجاً من تفكيك براندون أكثر من خلال شقيقته. سيسي شخصية اعتمادية، عانت أزمة عاطفية وجاءت تستنجد بأخيها. صاحب الحياة الجنسية المضطربة لا يريد كائناً طفيلياً في منزله طبعاً. لكنّ سيسي المتقلبة ستخلخل حياة براندون بالتأكيد. هي ليست مستقرة نفسياً.
ينفتح الأخوان على بعضهما. يغوصان في ماضيهما. «هما ليسا سيئين لكنهما وُجدا في أماكن سيئة». ترسبات من طفولتهما، صدمة عانيا منها، أوصلتهما إلى ما هما عليه اليوم: كائنان مضطربان عاطفياً ونفسياً.
تعايش سيسي وبراندون ينفجر بوجهنا مراراً وتكراراً، هو يبحث عن الجنس خارج جدران منزله المأهول بأخته وأزماتها، وهنا تتفاقم الدراما. لكن لا مفرّ، سيعود براندون وحيداً وعارياً..
«عار» ليس قصة، هو أشبه بتتبع خطوات وسلوك الأخ ثمّ أخته. السلوك الذي يدوران حوله، طبائعهما وعقدهما. هي دراما قاسية، تارة نتعاطف مع براندون، وطوراً نشعر أننا مثله، ثم فجأة نشعر بالبرود نحوه. يمزّق الفيلم مشاعرنا، لا بل يعنّفنا... كيف للفعل الجنسي الممتلئ بالمشاعر أن يتحول إلى ما يشبه الموت؟ ما العار إذاً؟ تحكّم حاجاتنا بنا، سيطرتها على حياتنا، تعلّقنا بها وإدماننا عليها. والنتيجة: كائن متقدٌ جنسياً ولكنه يفتقد الحميمية والعاطفة.

* Shame على نتفليكس