فعلتها هوليوود، ولو أنها لم تكن موجودة لا بأفلامها الكثيرة ولا بممثليها ومخرجيها الكبار. فعلتها وانتزعت «الأسد الذهبي» في «مهرجان البندقية» الذي اختتم دورته السابعة والسبعين أول من أمس السبت. فيروس كورونا لم يبعد هوليوود عن البندقية. لقد تأكد اليوم أكثر من أي وقت مضى أنّ «مهرجان البندقية» هو بوابة أفلام هوليوود إلى أوروبا، وأيضاً بوابة الأفلام إلى جوائز الأوسكار. «أرض الرحّل» (Nomadland) للمخرجة الصينية كلوي تشاو التي تعمل في هوليوود، حصد جائزة الأسد الذهبي لأفضل فيلم عن جدارة. علماً بأنّ تشاو التي قدّمت بكاميرتها فيلماً يفيض شاعريةً، هي خامس مخرجة تُتوّج بهذه الجائزة في تاريخ المهرجان (كانت صوفيا كوبولا آخر من نالتها عام ٢٠١٠).على أن يكمل الشريط عروضه في «مهرجان تورنتو الدولي»، ثم «نيويورك»، حيث من المتوقع أن يحصد جوائز كبيرة. والأكيد أنه سوف تكون له حصة في جوائز الأوسكار.إذاً، نجح «مهرجان البندقية» بدورته التي سوف تدخل التاريخ، ليس بسبب الأفلام التي عُرضت، ولا لجنة التحكيم التي ترأستها كيت بلانشت، بل بسبب التحدي الكبير الذي رفعه المهرجان، وانعقاده في ظلّ فيروس شلّ الكوكب برمّته. الإجراءات التي اتخذتها إدارة المهرجان كانت كافية لحماية الجميع من الإصابة والنجاح في هذا التحدي.
عدد قليل من الزوار والمخرجين الحاضرين والممثلين. للمرة الأولى، كانت السجادة الحمراء شبه خالية. حتى المصورون قلة، فيما أقيمت الكثير من المؤتمرات الصحافية عن طريق الفيديو بسبب عدم إمكانية حضور المخرجين والمنتجين والممثلين. في احتفال الختام، لم يتسلّم عدد كبير من الممثلين والمخرجين جوائزهم بسبب غيابهم عن الدورة، بل انتظروا أونلاين على شاشة كبيرة. وعند إعلان اسم أحدهم، شكر الجميع على الجائزة التي «سوف يتسلّمها لاحقاً».
على الرغم من نجاح الموسترا هذه الدورة، إلا أنّها في الحقيقة كانت سنة سينمائية ضعيفة، والسبب واضح، فكثيرة هي الأفلام التي لم تكن تستحق أن تشارك في الحدث. ولو أنّ المهرجان أقيم في دورة عادية في سنة عادية، لما كنا بالتأكيد رأينا أكثرية الأفلام المعروضة، لأنها ببساطة ليست بالمستوى المطلوب. لكن فيروس كورونا أعطى لكثيرين فرصة التواجد في مثل هذا المهرجان الكبير.
الجوائز كانت متوقّعة، أو بالأحرى لم تكن هناك أفلام تستحق «الأسد الذهبي» لغاية آخر ثلاثة أيام من المهرجان. عند عرض «زوجة الجاسوس» للياباني كيوشي كوروساوا، كان الأوفر حظاً، إلى أن عرض في اليوم الأخير فيلم «أرض الرحّل»، فجاء الاختيار سهلاً جداً. بالتأكيد لم تجد لجنة التحكيم صعوبة في اختيار أفضل فيلم في المهرجان.
كثيرة هي الأفلام التي لم تكن تستحقّ أن تشارك في الموسترا


هكذا، حصد المخرج المكسيسي ميشال فرانكو الدب الفضي (جائزة التحكيم الكبرى) عن فيلمه «نظام جديد». كعادته، فإنّ مسار أفلام فرانكو غير متوقّع. يبدأ الشريط في مكان وينتهي في آخر. الفيلم الوحيد من أميركا اللاتينية هو ديستوبيا فجّة ودموية تدور أحداثها في بلدة يتمرّد فيها الفقراء ضد الأقلية تحت راية الثورة والنظام الاجتماعي الجديد. ليس أفضل أفلام فرانكو بالتأكيد، لكنّ حصوله على الجائزة عائد إلى ندرة الأفلام الجيدة المشاركة في المسابقة الرسمية. الياباني كيوشي كوروساوا حصل على جائزة الأسد الفضي لأفضل مخرج عن فيلمه «زوجة جاسوس». وحصد روح الله زماني، الممثل الإيراني الجديد، الذي يبلغ 12 عاماً، جائزة مارسيلو ماستروياني لأفضل موهبة جديدة، لبطولته في فيلم «خورشيد» للمخرج الإيراني مجيد مجيدي.
أما في مسابقة «آفاق»، فكانت للعرب حصة كبيرة. جائزتا أفضل فيلم وأفضل ممثلة كانتا لأفلام عربية. يحيى مهايني تُوّج بجائزة أفضل ممثل في فيلم «الرجل الذي باع جلده» للمخرجة التونسية كوثر بن هانية. أما جائزة أفضل ممثلة، فكانت من نصيب خنساء بطمة عن دورها في فيلم «زنقة كونتاكت» للمخرج المغربي إسماعيل العراقي. وذهبت جائزة أفضل فيلم في مسابقة «آفاق» للفيلم الإيراني The Wasteland للمخرج الإيراني أحمد بهرامي. كما حصد الفيلم الفلسطيني «200 متر» لأمين نايفة جائزة الجمهور.
في المحصّلة، لقد أثبت «مهرجان البندقية» بدورته الاستثنائية هذه، أنّ السينما لا يمكن أن تموت، وما عاشته هذه السنة يمكن وصفه بالوعكة العابرة. لقد قدّم المهرجان جرعةً قويةً للسينما التي ستكمل مع مهرجانَي «تورنتو» و«نيويورك». لا نتفليكس ولا كورونا ولا أي شيء يمكن أن يقضي عليها. رغم الخوف من الجائحة، إلا أنّ المهرجان شهد إقبالاً ـ ولو خجولاً ـ من الجمهور. جاء واشترى البطاقات وحضر العروض التي أعادت الحياة إلى الجزيرة، وسوف تعيد الحياة إلى الكوكب.



للبنان مساحة من الضوء
فيلمان لبنانيان شاركا في ورشة عمل Final Cut ضمن المهرجان وحصدا جوائز. الأول «حصاد» للمخرج اللبناني إيلي داغر هو العنوان البارز في الورشة، إذ نال عدة جوائز مالية وتقنية لإكمال الفيلم والانتهاء من مرحلة ما بعد الإنتاج. والعمل الآخر الذي تلقّى أنواعاً مختلفة من الدعم، بما في ذلك تصحيح للألوان، والصوت والتوزيع، وتكاليف أخرى لمرحلة ما بعد الإنتاج فهو فيلم «السجناء الزرق» لزينة دكاش.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا