نحن كبشر يقع علينا دوماً الاختيار بين الخير والشر، لكن في بعض المناطق يتفاوت ويختلف هذا المفهوم. في ضواحي باريس، الشر هو شيء لا يمكن تخيّله، والخير هو ألا تتعاطى الكثير من المخدّرات، ألا تقتل أحداً من دون سبب وأن تسرق ما هو ضروري فقط. مع ذلك، سيكون صعباً جداً البقاء على قيد الحياة. هنا، أنت تقع ضحية «الكراهية» والعنصرية والعنف، وهذا يجلب عنفاً مضاداً لا يمكن السيطرة عليه. تظهر أنك «مرتاح» كأنّ شيئاً لم يحدث، ولكنك تحمل في داخلك شعور الغضب. كما أنّ الظروف الاجتماعية لها تأثير كبير عليك: الفقر، الحياة الضبابية، سوء المعيشة... كل ذلك يولّد شعور العدوانية. فيصبح الصراخ والجدال والكره صفات تلازمك يومياً، خاصة أنّ ترسبات أيام الطفولة تكون جزءاً من «العدوانية». الأصدقاء وشباب المنطقة يشاركونك أيضاً الشعور ذاته رغم بعض الاختلافات البسيطة. ففي ظل هذا الوضع، لا سبيل للبقاء إلا عبر القتال والمواجهة لكسب الاحترام في «المجتمع الجحيم».

وعند التخلص من هذا الجحيم، تظهر حقيقة أخرى. وحين التحدث مع شخص غريب ومختلف، ينظر إليك كشخص عنيف وغريب وبعيد عنه. وفي الخارج يخافون منك، ويرفضون وجودك، لأن مكانك ليس بينهم. أما رجال الشرطة فهم أنفسهم مختلفون، تختلف سلوكياتهم وأخلاقهم المهنية في الضواحي عن أمثالهم في باقي مدينة باريس، وعندما ترى هذا التحيّز والاختلاف لا بد من أن يحدث الصدام.
كتل من الغرانيت مصنوعة من العفن، مساحات مفتوحة، أسطح منازل، منتزهات منعزلة، ملاعب مهجورة... كلها يسيطر عليها تجار المخدّرات وبائعون غير شرعيين يبيعون أي شيء لأي شخص مقابل الجنس أو بضعة فرنكات. وسط كل هذا، شباب يحاولون البقاء على قيد الحياة في بيئة معادية. هنا، يمكن أن يصبح الصديق عدواً في لحظة، حيث تكون اللغة نباحاً دائماً، ولا تصل المساعدة الاجتماعية وعروض العمل والاندماج الاجتماعي. منسيّون من القرن الحادي والعشرين، مهمّشون لا تعني لهم قواعد الأخلاق البورجوازية، الطيب والشرير، الجميل والقبيح شيئاً عندما يتعلق الأمر بالنضال من أجل البقاء. الإحباط، والاستياء، وانسداد الأفق المزمن، والكفاح العقيم لتحقيق شيء ممنوع عليهم... هي أرض خصبة للكراهية. فالشرطة والشباب، كلاهما يؤسسان كفاحاً مستمراً أصمّ أبكم، كأنها حرب أهلية كاملة يكون الضحايا فيها هم أولئك الذين لا ينتمون إلى مجالس إدارة أو يحصلون على أرباح في البورصة. تغذّت الكراهية على الكراهية، والعنف هو الخلاص الوحيد الذي يُمارس ضد من هو الأقرب إلى اليد. إحباط تحول إلى انتقام أعمى، وانفجار غرائز مكبوتة، واحتجاج على ظلم الحياة وغياب المساعدة، وغياب قدرة الشباب الذاتية على النضال من أجل مستقبل آخر بوسائل أخرى.
فيلم واقعي مرير مع مشاهد مروّعة ونهاية مرعبة


كل ما ذكرناه، عالجه المخرج ماثيو كاسوفيتز، في فيلم «الكراهية» (1995). في يوم وليلة، تنقلب حياة ثلاثة أصدقاء شباب (يهودي، عربي وأفريقي)، يواجهون التمييز العنصري والتهميش الاجتماعي والمشاكل مع رجال الشرطة يومياً في ضواحي باريس. شريط قادر على نقل وضع سكان ضواحي باريس، وحياتهم. فيلم واقعي مرير مع مشاهد مروّعة ونهاية مرعبة. هذا الفيلم يحتوي على حقائق أكثر من أي نشرة أخبار أو تقرير صحافي منافق تُذرَف فيه الدموع سرداً للبؤس والرعب الموجوديْن في بعض مناطق العالم.

* La Haine على MUBI

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا