ثلاثة أفلام لبنانية نادرة ستُعرض على الإنترنت لمدة أسبوع واحد من ٢٤ حتى ٢٧ من الشهر الحالي. موقع «مزنه» يعيد اكتشاف مخرجين، ويعرض مناقشات تستكشف أشكال السينما الثورية في منطقتنا وشمال أفريقيا. في برنامجها هذا الشهر، تركيز على بيروت في مواجهة آثار الدمار. تقدم أفلام هذه السلسلة العلاقة بين الحقيقة والخيال، موظّفةً الشعر ووسائط أخرى لمشاهدة ما يخرج من الأنقاض. بيروت، المدينة التي غالباً ما كانت موقعاً للعنف الطائفي والاستعماري والإمبريالي، هي سياق يُنتج أفلاماً تتعامل بشكل نقدي مع الصور المتعلقة بلحظات الحرب والاضطرابات وما بعدها. في هذه السلسلة، تقدم «مزنه» فيلمين للمخرجة اللبنانية الراحلة جوسلين صعب (1948 ـــ 2019) هما «نساء فلسطينيات» (1974) و«أطفال الحرب»، بالإضافة إلى شريط «بيروت – جيل الحرب» للمخرجين مي مصري وجان شمعون.
«نساء فلسطينيات»
قبل تصوير «نساء فلسطينيات» (1974) (عند بدء الحرب اللبنانية)، كانت جوسلين صعب على وشك الهبوط في ڤيتنام مع فريق فرنسي. ولكن في مواجهة الضرورة الملحة لتوثيق هذه الاضطرابات، قرّرت المغادرة إلى بيروت. حملت الكاميرا على كتفها لنقل واقع لا يمكن رؤيته إلا من خلالها. قدمت قصصاً عن الحرب اللبنانية عُرضت على الشاشة الكبيرة، وتمكنت من إنتاج أعمال بطريقة واقعية، صادقة مضموناً، تستحق الاعتراف بأنها من أفضل الأعمال التسجيلية اللبنانية. استخدمت صعب شكلاً وثائقياً لإظهار آثار العنف في لبنان وتحدي تصورات وسائل الإعلام الغربية السائدة وممارسات تصوير وعرض الحرب في بيروت. صوّرت الدمار والحرب وقاومت الظلم والنسيان وحافظت على ذاكرة سينمائية قوية.
قدّمت أفلاماً واقعية، صادقة من أفضل الأعمال التسجيلية اللبنانية

في الفيلم القصير الذي أخرجته للتلفزيون الفرنسي والذي لم يتم بثه، تتابع جوسلين صعب نساء فلسطينيات في بيروت في ذروة الحركة الثورية الفلسطينية. تُجري مقابلات مع نساء في المخيمات، وأثناء التدريب الفدائي وفي الجامعات. وتعرض المقاومة الفلسطينية من وجهة نظر المرأة. في «نساء فلسطينيات»، قدمت صعب ضحايا الصراع مع إسرائيل الذين غالباً ما يتم نسيانهم. فيلم عمن شهدوا الصراع وشاركوا فيه من وجهة نظر سينمائية وسياسية. «نساء فلسطينيات» رُفض عرضه بسبب موضوعه الإشكالي والمثير للجدل. يقدّم صورة واقعية أسّست لمعركة امّحاء الذاكرة التي رغب السياسيون وأمراء الحرب وقتها فرضها، ويعكس الرؤية الأخلاقية والإيديولوجية لجوسلين صعب.
«أطفال الحرب»
يبدأ «أطفال الحرب» لجوسلين صعب بسلسلة من صور الأطفال، جنباً إلى جنب مع صور السياسيين. هذه الصور تترافق مع موسيقى تخاطب أمراء الحرب وتتهمهم مباشرة: «من أين أنتم؟ إلى أين أنتم ذاهبون؟ لمن تصلون؟» يصور الفيلم السياسيين كمجرمين مسؤولين عن صدمة هؤلاء الأطفال.

من فيلمها «أطفال الحرب»

بعد أيام على مذبحة الكرنيتنا (1976) التي ارتكبتها ميليشيات يمينية مسيحية في حي فقير فلسطيني بالقرب من ميناء بيروت. التقت صعب أطفالاً فرّوا وأصيبوا بصدمة شديدة بسبب القتال المروع الذي رأوه بأعينهم. أعطت صعب للأطفال، الذين فقد كثيرون منهم عائلاتهم في المجزرة، أقلام تلوين وشجّعتهم على الرسم أثناء التصوير. الأطفال لا يرسمون إلا ما يشاهدونه ويختبرونه في زمن الحرب، والألعاب التي شارك فيها الأطفال هي فقط ألعاب حربية. وسرعان ما أصبحت الحرب أسلوب حياة لهم أيضاً.
تُظهر صعب في الفيلم الأطفال كملائكة في عالم لم يعد للملائكة دور فيه. يسمح الأطفال لجوسلين بتصويرهم يلعبون، تارة تصورهم بالحركة البطيئة، وطوراً تلغي الصوت. وعندما تعيد الصوت، تعيده فقط لتُسمعنا صرخات الأطفال الذين يقلدون صوت إطلاق النار. إيقاع المونتاج يخلق تأثيراً وحشياً وعاطفياً ويبدو عدوانياً، كأنه مليء بالدماء على الرغم من عدم وجودها. فالحقيقة مشوّشة في الفيلم تخلق تأثيراً خيالياً تصبح فيه الحقيقة التي تصورها موضع تساؤل.


«بيروت – جيل الحرب»

مي مصري وجان شمعون

في بيروت، يكبر الأطفال على المتاريس وسرعان ما يستبدلون لعبهم ببنادق آلية حقيقية. «بيروت – جيل الحرب» (50 د.) للمخرجين مي مصري وجان شمعون، يستكشف حياة وأحلام ومخاوف ثلاثة أجيال من الشباب من خلفيات مختلفة يعيشون في قلب الحرب الأهلية اللبنانية، مع لمحات تاريخية عن بدايتها وأسبابها. من قلب شوارع بيروت، نعيش مع الشباب وهم يكافحون من أجل البقاء على قيد الحياة بمزيج من شهادات شخصية جداً وعفوية وشديدة الوضوح مثل قصة نضال (12 سنة) وتعليقات سياسية واجتماعية. يبحث الفيلم في العوامل التي أسهمت في الصراع مثل الحرمان الاقتصادي والمشاكل السياسية والقضية الفلسطينية.

يمكن مشاهدة الأفلام على الرابط التالي: mizna.org/film/mizna-film-series-summer-2021-beirut

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا