الأفلام الوثائقيّة، نادراً ما تكون صورة ذاتية. هناك الكثير من الوثائقيات التي تحتفل بالنجوم كأساطير أبدية، وتقدّم قصصاً تغفر الخطايا وتمجّد المآثر والسحر. في «ڤال» (2021)، الفيلم هو صورة ذاتية، وليس من إخراج الممثل نفسه. إلّا أن الوافدين الجديدين ليو سكوت وتينغ بو عرفا كيف يقدّمان شيئاً جديداً مبنياً بأكمله تقريباً على الأرشيف. «ڤال» وثائقي عن حياة وعمل الممثل الأميركي ڤال كيلمر، يصوّر حياته منذ أن كان طفلاً، حين كان يصور الأفلام المنزلية مع أخيه في البيت، إلى الجامعة فالمسرح والسينما وهوليوود، وحتى حياته الحالية. ڤال يبلغ اليوم 61 عاماً، عاش فترة صعبة للغاية، فقد صوته بسبب علاج كان لا بد من القيام به عند تشخيص إصابته بسرطان الحلق عام 2017. ونظراً إلى حقيقة أن الممثل لا يستطيع سرد حياته بصوته، فكان الراوي هو ابنه جاك كلمير الذي يروي القصة مصحوبة بمشاهد وصور من أرشيف لا تقدر بثمن. مشاهد صوّرها ڤال كيلمر بنفسه طوال حياته. أكثر من 800 ساعة من التسجيلات بكاميرا ڤال الشخصية.في الفيلم إذن، هناك راويان: البطل نفسه المتأثر بالمرض، وبصوته الروبوتي بسبب جهاز التكلم، والابن الذي يتحدث باسم والده. في «ڤال»، ألم يصعب رؤيته، لكنه ليس بشكل عاطفي. هزلي في بعض الأحيان ولكنه ليس ساخراً. إنه سينما عن السينما ولكنه ليس طناناً. وأخيراً، هو نقد لهوليوود، لكنه ليس عذراً لأي ضحية. يغمرك الفيلم بحياة ممثل معروف كونه نجماً من نجوم هوليوود، وفي الوقت نفسه هو رجل حسّاس ذكي ومبدع ومجتهد ومثقف. بالنسبة إليه، التمثيل لا يتعلق بكونه مشهوراً أو بإجادته التمثيل، بل يتعلق بدخول جسد وعقل شخص آخر واكتشاف ذاته أولاً. في نهاية مسيرته، أراد الممثل أن يصنع مشاريع يجد نفسه فيها وذات صلة بشخصه، لها عمق لم يحققه في الشخصيات التي لعبها في هوليوود. قرر كتابه سيناريو فيلم عن مارك توين حوله إلى مونولوج مسرحي، وكان ناجحاً جداً، وخطوته التالية كانت نقله إلى السينما، إلا أن المرض أوقف خططه.
رجل حساس ذكي ومبدع ومجتهد ومثقف


في «ڤال»، هناك إلفة. أدخلنا الممثل في خصوصياته الماضية والحالية: من وفاة شقيقة عندما كان صغيراً إلى مشاكله المادية مع أبيه، إلى علاقته مع والدته، وزواجه وطلاقه من الممثلة الإنكليزية جوان وايلي، وعلاقته بابنه وابنته. تمكن كيلمر من فعل شيء غير متوقع لممثل في هذا الوثائقي. أظهر نفسه في أسوأ حالاته، ولكن من دون أن يتألم، بل يكافح من أجل المضي قدماً، تخطيط المشاريع، الاعتراف بالأخطاء والشعور بالفخر لما حقّقه مع ولديه. قرر أن يروي حياته من أعماق المشاعر، يكشف حياته، يترك غروره جانباً، ويتعمق في حياته وذكرياته وأرشيفه. كشف كيلمر في الفيلم الوجه الحقيقي لهوليوود، وكيف تعامل معها ومع الشهرة. اعترف بأنّه في جميع الأفلام الذي مثّل فيها، لم يكن تماماً مقتنعاً بالشخصيات السطحية الذي يقدمها. اعترف أنه ليس بحجم مارلون براندو، ولكن كان يكافح طوال حياته. لم يخفِ كيلمر أنّه لم تعجبه فكرة «توب غان» (1986) ولكنه رأى في النهاية أنّه يستحق المغامرة، وتجربة ضخمة للعمل مع المخرج توني سكوت. أخبرنا عن «ويلوو» (1988) وكيف التقى فيه بزوجته. عمله في «ذو دورز» (1991) وكيف لبس تماماً شخصية جيم موريسون، إلى درجة أنّه أثّر في علاقته بزوجته. وبالطبع، يتذكر كيلمر فيلم «باتمان للأبد» (1995)، كاشفاً أنّه رغم أنّ كل فتى يحلم بأن يكون رائعاً مثل باتمان، إلا أنّ لعب شخصية البطل الخارق لم تكن تجربة جيدة له شخصياً. اعترف باختصار أنّه شعر بالوحدة في زي باتمان. كأن باتمان أخذ صوته قبل الأوان. «ڤال» فيلم رائع ونادر، لا يروي كيلمر تجاربه وحياته بطريقة إنشائية، بل يعيش كل كلمة وجملة وتجربة من جديد. وإن كان كيلمر عاجزاً اليوم عن الكلام، فإنه لا يزال لديه الكثير ليقوله.

Val على Amazom Prime