في «علّي صوتك»، يدعونا المخرج المغربي نبيل عيوش إلى مشاركة مجموعة من الشبان تجربتهم ضمن مركز ثقافي في «سيدي مؤمن»، أحد أحياء الدار البيضاء المغربية الشعبية، فيرافقهم في اكتشافهم موسيقى الـ«هيب هوب» ويعطيهم الفرصة للتعبير عن أنفسهم من خلال هذا الفن. للوهلة الأولى، قد يُخال المرء أنّه أمام فيلم وثائقي، تتداخل فيه عناصر الوثائقي والخيالي، لكي تنتج شريطاً قريباً جداً من الواقع. ذلك أنّ الشهادات وطريقة تصويرها وصدقها تجعلنا نشعر بأن ما نشاهده فعلاً حقيقي. عيّوش بنى فيلمه على شيء من الواقع، بالعمل مع شبّان غير محترفين في التمثيل. حاول أن يجعلهم يشاركون في نصّ الفيلم من أجل التوصل إلى هذه النتيجة. كما أنّ الممثل الأساسي أنس بسبوسي، الذي يضطلع بدور الأستاذ في العمل، هو بالفعل مغني راب سابق ويحمل الاسم نفسه. الفيلم الذي شارك ضمن المسابقة الرسمية في «مهرجان كان السينمائي» الأخير يحمل ثلاثة عناوين. وفي حين أن العنوان بالإنكليزية يبقى في الإطار الموسيقي «كازابلانكا بيتس»، يشير العنوانان بالفرنسية (Haut et fort) والعربية بوضوح إلى التوجّه الذي يريده عيوّش لفيلمه من ناحية تحويله الصوت الموسيقي أداة رئيسية في التعبير ورفع سقف التفكير.




بوصول أنس إلى المركز الواقع في «سيدي مؤمن»، ستتغيّر طريقة تعاطي هؤلاء الشباب مع الموسيقى. سيحثّهم تدريجاً على التحرّر من الأفكار المتوارثة من أجل التعبير عن أنفسهم عبر الموسيقى والقول بصوت عال ما لم يجرؤوا على التفكير يوماً أنهم قادرون على البوح به علناً وبحرية مطلقة، خصوصاً في ما يتعلق بالفتيات، رغم أن هذه الحرية قد لا تتخطى حدود المركز. يندرج العمل في إطار الفيلم الموسيقي الحافل بلوحات غنائية وراقصة من نمط الـ«هيب هوب»، بين أداء «راب» ورقص الـ«بريك دانس»، وحتى فن الـ«غرافيتي» الذي يقع ضمن ثقافة الـ«هيب هوب»... كلّها عناصر تتحول بحناجر وأجساد الممثلين، إلى أدوات تعبير تضع الإصبع على جروح المجتمع المغربي والشبابي بوجه خاص. في إحدى اللوحات الموسيقية التي أرادها المخرج كما صرّح في ملف الفيلم الصحافي تحية إلى «ويست سايد ستوري»، يرقص عدد من هؤلاء الطلاب وجهاً لوجه مع مجموعة من المتطرفين.
لا يكتفي أنس بأن يكون مجرّد أستاذ في مجال الموسيقى، بل يصبح عنصراً أساسياً يرتكز إليه هؤلاء الشبان لكي يخرجوا ما لديهم وينمّوا قدرتهم في التعبير عما يجتاحهم من أحاسيس وأفكار في هذا العمر. هذا الشخص يأتي وحيداً إلى المكان، بحثاً في شوارع يبدو واضحاً أنه لا يعرف عنها شيئاً عن مركز تعليم الفنون حيث يُفترض أن يعطي دروساً في موسيقى الـ«هيب هوب»/ خصوصاً الراب، إلى مجموعة من الشبان. لن نعرف المزيد عنه طوال الفيلم. ولن نرى حياته خارج جدران هذا المركز، ذلك أنّ المخرج اختار محورة الفيلم تقريباً بالكامل داخل المكان.
الشهادات وطريقة تصويرها وصدقها تجعلنا نشعر بأن ما نشاهده فعلاً حقيقي

تنتقل الكاميرا بين وجوه التلاميذ ومعلّمهم لترينا عن كثب ملامحهم وتفاعلهم في الصف. وكثيراً ما ستتحوّل الحصص التي يقدّمها إلى جلسات نقاش حول تابوهات سياسية ودينية واجتماعية لا يجرؤون على التحدث بها مع أهلهم أو أشخاص آخرين خارج إطار هذه الصفوف.
مركز الفنون والثقافة الذي نراه في الفيلم هو أحد الأبنية الخمسة التي شارك عيوش في تأسيسها في المغرب، رغبةً منه في منح الشباب الفرصة نفسها التي نعم بها في مراهقته. ومكان تصوير الفيلم هو المركز الأول الذي بناه في حي «سيدي مؤمن» كونه من المناطق الأكثر تهميشاً وفقراً. وعلى الرغم من الإطار السوداوي والكئيب لأحداث الفيلم، إلّا أن الحماسة التي يعيشها الفنانون الطامحون خلال الأداء والدعم غير المشروط الذي سينالونه من أستاذهم، يبعثان نوعاً من الطاقة الإيجابية ووعداً بمستقبل أفضل ربما.



قاطعوا!
دعت «حملة مقاطعة داعمي إسرائيل - لبنان» الجمهور اللّبناني إلى مقاطعة «علي صوتك»(Haut et Fort-Casablanca Beats) للمخرج المغربي نبيل عيوش. جاء ذلك على خلفية مشاركته في «مهرجان حيفا السينمائي» الذي أقيم في أيلول (سبتمبر) الماضي في الأراضي المحتلة. وسبق لـ «الحملة المغربية للمقاطعة الأكاديميّة والثقاقية لإسرائيل» أن أعلنت، أنه برغم التذرّع بأن ملكية الأفلام تعود إلى الموزّعين الدوليّين، إلا أنّ «المخرجين يبقون مسؤولين فكرياً» عن مشاركة أفلامهم ضمن مهرجانات سينمائية في الكيان المحتل. وأشارت الحملة اللبنانية إلى أنها ليست المرة الأولى التي يتورّط فيها المخرج المذكور في نشاط تطبيعي. وجدّدت الحملة تأييدها لبيان حملة المقاطعة المغربية، مؤكّدةً على «رؤيتها وموقفها الثابتين بأن كل مشاركة فنية أو رياضية أو ثقافية في الكيان المحتل، هي مساهمة فعلية في تلميع صورته وجعله جزءاً من نسيج المنطقة المحيطة. وبالتالي فإن كل مشاركة من هذا النوع خطوة مباشرة على طريق التطبيع».