قبل أيام، بُثّت أولى حلقات «سينماتك بيروت»، البودكاست الذي يوثق لتاريخ الصالات السينمائية في لبنان بمبادرة من «جمعية متروبوليس»، حيث حاورت نور عويضة، مقدّمة البرنامج، المخرج والأكاديمي هادي زكاك حول صالات السينما في طرابس من خلال نقاش كتابه «العرض الأخير... سيرة سيلَما طرابلس».البودكاست هو أحد أنشطة مشروع «سينماتك بيروت» الذي بدأ عام 2018 والمعني بحفظ الأرشيف السينمائي اللبناني، التاريخي منه من دون أن يغفل المعاصر، ويسعى إلى توفير قاعدة توثيقية تغطي الفترة الممتدة من بدايات السينما اللبنانية عام 1929 لغاية اليوم.
في البحث عن أشكال توثيق جديدة، يوظّف القائمون على «سينماتك» البودكاست لتقديم سلسلة من أربع حلقات تتضمن مقابلات مع مؤرخين ونقّاد وصنّاع أفلام، وتستكشف القصص التاريخية لتأسيس صالات العرض السينمائية في طرابلس وبيروت وصيدا وحمانا.
حول المشروع، تقول عويضة في حديث إلى «الأخبار» إنّ للتوثيق دوراً مهماً في «تتابعية الصناعة السينمائية، لأن معرفة التاريخ السينمائي للبلاد من قبل الصنّاع الجدد، يكسر لديهم شعور العزلة مع حركة السينما المعاصرة. كما هو مهم أيضاً للناس غير المعنيّين بصناعة السينما لأنه يقدم رؤية مجتمعية للبلاد ككل يمكن لها أن تكون أكثر دقة من إيديولوجيات التأريخ».
وعن أهمية التوثيق الشفهي، يوضح الباحث فؤاد حلواني، منسّق المشروع أن «اختيار البودكاست كأداة تنقل البحث الذي قام به فريق العمل، كان بسبب سهولة نقل المعلومات من خلاله، فيتم نقل البحث المعتمد على الكتب المختصّة والوثائق الورقية»، عبر حوار بين عويضة، التي تتمتع بتجربة في صناعة الأفلام التجريبية القصيرة، وأحد الضيوف الفاعلين في المجال السينمائي، فيأخذ التوثيق شكل حوار ينقل الشغف بهذا الفن. يؤكد حلواني أن البودكاست أصبح وسيلة سهلة يمكن أن ترافق المتلقّي في كل مكان، ولا سيما أنّه اكتسب أهمية ورواجاً بعد أزمة كوفيد-19 التي ألزمت الناس البقاء في منازلهم، وأصبح البودكاست إحدى وسائل التسلية خلال الحظر.
في حديثها عن خصوصية موضوع البرنامج، تقول نور عويضة إنّ صالة العرض كمكان يخلق طقساً معيناً يجمع عدداً من الناس لخوض تجربة مشتركة، تُعطي للسينما أهمية مجتمعية تربط الأفلام مع الجمهور وتؤثر على آليات صناعتها، وخصوصاً في عصر المنصّات الإلكترونية كنيتفلكس وغيرها. إذ خلقت الأخيرة شكلاً من التلقّي خارج الصالة يعزّز التجربة الفردية.
تظهر أهمية البودكاست أيضاً، بحسب عويضة، في تقديم صورة عن حياة مجتمعية كاملة من خلال تاريخ الصالات، فيتتبع كيف دخلت صالة السينما في الحراك الثقافي للطبقة الوسطى، ودورها في خلق تواصل مجتمعي، وطبيعة الأفلام التي كانت تُعرض فيها، ومدى أهميتها في الوعي السينمائي للمتلقي آنذاك في مدن مختلفة، راصداً أكثر من ظاهرة ما بين سينما المدينة وسينما المصيف وغيرهما.
إلى جانب مهمته التوثيقية، يربط البودكاست ــــ الذي يمكن سماعه عبر soundcloud و spotify وdeezer ـــــ الناس بالممارسات الثقافية والاجتماعية التي عرفها اللبنانيون منذ بداية انتشار السينما، ويسلّط الضوء على التحولات الثقافية وارتباط صناعة السينما بالأحداث المختلفة التي عاشها لبنان.