في عام 2012، أبدت جمعية «متروبوليس» اهتمامها بإعادة إحياء أفلام لبنانية من فترة ستينيات وسبعينيات القرن المنصرم، فعرضت آنذاك أعمالاً من الأرشيف ألقت فيها خصوصاً تحية إلى إحسان صادق، وصباح، وأظهرت توجّهات وحساسية السينما في لبنان في تلك المرحلة. كانت تلك أشبه بانطلاقة أدّت عام 2015 إلى حدث سينمائي عنوانه «اللقاء الثاني» احتفى بأعمال منتجين لبنانيين أمثال آسيا داغر، وجان بيار رسّام، وغبربال بستاني، ثمّ ولد لاحقاً مشروع الـ «سينماتيك». توضح نسرين وهبة، من جمعية «متروبوليس» لنا أنّ «المهرجان عاد بحلّة جديدة هذا العام. لذا اعتبرناها النسخة الأولى منه.
جوسلين صعب في «بيروت مدينتي»


فيلم «الاختيار» ليوسف شاهين بعد ترميمه

يحاول الحدث أن يكون ملتقى حول الأرشيف والأفلام القديمة المرمّمة. هناك أفلام لبنانية وعربية، والكثير من هذه الأفلام عُثر عليها مصادفة وتمّ ترميمها لتعود إلى الحياة من جديد. وبناء على تفاعل الجمهور معها، قد تُنظَّم دورات أخرى في المستقبل مع أفلام أوروبية مرمّمة. هناك ندوات خاصة بأرشيف الأفلام مجانية للجميع كما سيشارك عدد من الاختصاصيين خبراتهم في جلسات مغلقة ومتاحة للعاملين في المجال فحسب. في موازاة ذلك، نعرض للجمهور أفلاماً لجوسلين صعب رُمّمت أخيراً ومعظمها لم يُعرض في بيروت». فالجزء الأكبر من المهرجان مخصص لأفلام صعب. وعن هذا الموضوع، تشرح وهبة: «منذ سنوات عدة، يجري الحديث عن تخصيص تحية للمخرجة. وفي أول مشروع للسينماتيك، عرضت أفلام رندا شهال كلها. أما الآن، وبوجود «جمعية جوسلين صعب» التي تعمل منذ أربع سنوات على ترميم أفلامها، رأينا أن الوقت بات مناسباً لعرض الأفلام القصيرة التي صوّرتها في عملها كمراسلة حرب. جزء منها لم يُعرض في بيروت. كما أن هناك أفلاماً أخرى ما زالت الجمعية تعمل على ترميمها». يتضمّن البرنامج 12 فيلماً وثائقياً مرمماً كانت قد أنتجتها صعب خلال فترة الحرب الأهلية اللبنانية منها «رسالة من بيروت» و«لبنان في الدوامة» و«بيروت مدينتي» و«سفينة المنفى»، ومعظمها أفلام قصيرة تظهر مرحلة الحرب اللبنانية التي وثّقتها صعب من خلالها تلك الأشرطة.
إلى جانب أفلام جوسلين صعب، هناك ثلاثة أفلام أخرى يعرضها المهرجان الذي يُفتتح مساء اليوم في سينما «مونتيني» في المعهد الفرنسي مع فيلم «الاختيار» (س:19:30) ليوسف شاهين، الذي أعيد ترميمه أخيراً من قبل «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي»، وهو من بطولة عزّت العلايلي وسعاد حسني. الفيلم الذي أخرجه شاهين عام 1970 مبني على رواية نجيب محفوظ ويسلّط الضوء على الواقع السياسي والمجتمع المصري في تلك المرحلة عبر قصة جريمة قتل غامضة.

«قبل زحف الظلام» لعلي الصافي

أما الشريطان الآخران، فمرتبطان بشكل مباشر. «عند زحف الظلام» لعلي الصافي (يُعرض مساء الأحد (س:19:30) في «غالاكسي غراند سينما) يتحدث عن الساحة الثقافية في المغرب وفي الوقت عينه موضوعه الأساسي هو فيلم مغربي يُعرض في ختام المهرجان عنوانه «أحداث بلا دلالة» (1974) لمصطفى درقاول (26/1 ــ س:19:30 ــ غالاكسي غراند سينما)، منعته الرقابة المغربية في سبعينيات القرن المنصرم. يصوّر الشريط مجموعة سينمائيين يحاولون معرفة ما دفع بعامل إلى قتل مديره عن طريق الخطأ، محاورين الناس حول ما ينتظرونه من السينما الوطنية الناشئة في المغرب. فُقد نيغاتيف الفيلم ثم أُعيد اكتشافه في إسبانيا حيث رممته «مكتبة أفلام كتالونيا» بالاشتراك مع «المرصد، فن وبحث» المغربي. وتعرض «متروبوليس» هذه النسخة المرممة في ختام المهرجان. من ضيوف التظاهرة علي الصافي الذي سيكون في حوار مع الجمهور بعد عرض فيلمه.
يتضمّن البرنامج 12 فيلماً وثائقياً مرمماً كانت قد أنتجتها صعب خلال فترة الحرب الأهلية


في موازاة العروض، كان لا بدّ أيضاً من تنظيم معرض «نظرتي» الذي يقيمه «المركز الفرنسي في لبنان» ويتناول الأرشيف البصري السمعي اللبناني، إلى جانب معرض آخر يحتوي مواد أرشيفية حول أفلام جوسلين صعب من نصوص وصور وأشرطة مصوّرة. أما الندوات المفتوحة أمام الجمهور، فستكون إحداها مع «جمعية جوسلين صعب» وتتناول كيفية العمل على ترميم أعمال المخرجة. كما هناك جلسة مع اختصاصية الأرشيف ليزابونا رحمن تتخللها محاضرة وعروض تظهر كيف كانت الأفلام الإندونيسية تُصوَّر، ومعظمها كان مفقوداً قبل العثور عليه فجأة. كما ستتحدث الباحثة أناييس فارين عن النادي السينمائي في السبعينيات حين كانت تُعرض الأفلام غير التجارية.

* «اللقاء الثاني»: بدءاً من اليوم حتى 26 كانون الثاني (يناير) ـــ العروض في «غالاكسي غراند سينما» باستثناء الافتتاح والختام في «المركز الفرنسي في لبنان» ـــــ للاستعلام: metropoliscinema.netـــ معرض «نظرتي» وذلك المخصّص لجوسلين صعب مستمرّان في «المركز الفرنسي في لبنان» (طريق الشام ـ بيروت) حتى الثاني من شباط (فبراير).



الأكثر شجاعةً في جيلها
تنتمي جوسلين صعب (1948 ــ 2019) مثل برهان علوية ومارون بغدادي ورندا الشهال، إلى جيل سينمائي ولد من رحم الحرب الأهليّة اللبنانيّة. بدأت مراسلة حربيّة، ثم درست الاقتصاد قبل أن تصوّر الثوار ومزارعي التبغ والصيادين. بعد الاجتياح حققت مع روجيه عساف «بيروت مدينتي» (1982). مرحلتها الروائيّة تمتدّ من «غزل البنات» (1985) إلى «دنيا» (2005) الذي صوّرته في مصر مع حنان ترك ومحمد منير. في عام 2008 خاضت تجربة فوتوغرافيّة تجمع بين البوب آرت والسريالية. ثم أطلقت مهرجان «الثقافة تقاوم» الذي جاء امتداداً لخياراتها الإبداعيّة الملتزمة. أفلامها المتمحورة حول الحرب والذاكرة والمقاومة والثورة والجسد، هي مادة كتاب لماتيلد روكسيل بعنوان «جوسلين صعب، الذاكرة الجامحة» (2015). وصفتها الشاعرة والتشكيلية إيتل عدنان بأنّها كانت «بين الأكثر ذكاء وشجاعة وحريّة في جيلها، بطريقة تفكيرها المتحرّرة التي كلّفتها كثيراً، يوم كان الالتزام مسألة حياة أو موت».