في المنتزه الوطني ومحمية الحياة البرية في مودومالاي التي أُنشئت قبل 140 عاماً، في ولاية تاميل نادو، في الهند، يعيش بعض الناس في الغابة، بعيداً عن المدن الكبيرة. عاشوا هناك منذ أجيال، وعُرفوا بـ «ملوك الغابة». هؤلاء السكان يعيشون في وئام وعلاقة طبيعية مسالمة وسليمة مع الطبيعة والحيوانات. «الهامِسون في أذن الفيل» (2022 ــــ أوسكار أفضل فيلم وثائقي قصير)، يروي قصة زوجين من هؤلاء السكان، بومان وبيلي اللذين كلّفتهما الحكومة بالاعتناء بفيل هندي اسمه «راغو» في المحمية المخصّصة لإعادة تأهيل وتربية الأفيال النازحة واليتيمة والمهجورة. تعود جذور بومان وبيلي إلى قبيلة عاشت في الغابة. ربوا واهتموا بالفيلة منذ سنوات طويلة. بومان يمشي على خطى أسلافه في تربية الأفيال، وبيلي أول امرأة في الهند توكَل بالاعتناء بفيل، فسمّيت بـ«أم الفيلة». بذل الزوجان جهداً كبيراً في إبقاء الرضيع الهشّ المصاب على قيد الحياة، لينمو ويصبح فيلاً كبيراً سليماً. تنشأ علاقة قوية بين الزوجين والفيل، لا يمكن وصفها أو تفسيرها. ولأنهما الزوجان الوحيدان اللذان ربيا فيلاً صغيراً مصاباً وبقي على قيد الحياة، فقد تم تكليفهما بتربية فيل يتيم آخر اسمه أموكوتي. المخرجة الهندية كارتيكي غونسالفيس، عاشت في المحمية ومع «ملوك الغابة» لمدة خمس سنوات، لتكشف لنا من خلال وثائقيّها القصير (40 دقيقة) حياة القبائل هناك وعلاقتها بالطبيعة والحيوانات.

يظهر الفيلم جمال المكان المذهل، وعلاقة القبائل معه ومع حيواناته. زوج بيلي الأول مات بعدما افترسه النمر، وابنتها ماتت وهي صغيرة. كانت علاقتها الجديدة مع بومان والأفيال كخطوة إلى الأمام وفرصة لها للتغلب على آلامها. كذلك الأمر بالنسبة إلى بومان، الذي أُصيب عندما كان يربي فيلاً كبيراً. لذلك تم تكليفه بالأفيال الصغيرة فقط. «الهامسون في أذن الفيل» ليس قصة الفيلة والبشر فقط، بل هو قصة الرابط القوي بين البشر والطبيعة.
يُظهر الزوجان وبيئة السكان الآخرين طريقةً متناغمة للعيش مع الحيوانات، بالإضافة إلى فهم احتياجاتها وسلوكياتها وحتى شخصياتها المختلفة. يذكرنا الوثائقي بسلوك الأفيال ويرينا إياها، إلى جانب كل الأشياء التي يمكنها فعلها وتعلمها من الإنسان.
قصة بومان وبيلي وأفيالهما، ساحقة إنسانياً بسبب الجهد والشجاعة والحب الذي يأتي من عملهما. عندما نكتشف القصة أكثر فأكثر، تصبح أكثر حدة بسبب قصتهما الشخصية وتاريخهما. «الهامسون في أذن الفيل» ليس فيلماً وثائقياً من ذاك الذي اعتدنا عليه. لا يدوم طويلاً بسبب قصره، وهو مصنوع ليكون كثيفاً في الوقت الذي لا يتعدى ساعة واحدة، فهو أكثر من مجرد نزهة قصيرة عبر المناظر الطبيعية التي تقف بعيداً عن الزمن. إنه فرحة صغيرة للتعرف إلى حياة الفيل راغو، ذلك الفيل اليتيم الذي نجا بسبب رعاية شخصين له، ومبهج باكتشافه أشكالاً أخرى من الحياة لا نعرفها، ومثالي لأولئك الذين يحبون الطبيعة.




اختارت المخرجة طريقة التصوير البعيدة من طائرات بدون طيار لترينا جمال المنطقة كلها، من دون مبالغة في ذلك، وفي الوقت نفسه هناك اللقطات القريبة التي ترينا عن قرب حميمية العلاقة والتواطؤ بين البشر والفيلة في هذه البقعة من الأرض. هذه السلاسة التي اختارتها غونسالفيس لتصوير الفيلم تجعل التجربة غامرة، على الرغم من أن الكاميرا توثّق باستمرار الروتين اليومي للعائلة، إلا أنها لا تعطل المساحة الفردية للشخصيات والفيلة. لم تُخرج المخرجة بومان وبيلي من الغابة لإخبار قصتهما، بل ذهبت إليهما وعاشت معهما. ومن خلال الوثائقي نتابع بفارغ الصبر كيف يتحدث بومان عن راغو الانتقائي في طعامه، أو نجلس بجانب بيلي وهي تتذكر اللقاء الأول مع راغو وتحكي لحفيدتها عن الفيلة وكيفية الاعتناء بها. بهذه الطريقة، يُحاكي عمل غونسالفيس رحلة سفاري. يلاحظ المشاهد بهدوء التعايش بين الطبيعة والإنسان والحيوان، حيث يدعونا بومان وبيلي وراغو وأموكوتي إلى هذه المساحة الجغرافية والحياة التي تصبح نادرة يوماً بعد يوم.
عاشت المخرجة الهندية كارتيكي غونسالفيس في المحمية مع «ملوك الغابة» لمدة خمس سنوات


يظهر الفيلم علاقة العطاء التي تحدث في المنزل، بالنسبة إلى بومان وبيلي، الفيلة هي بمثابة آلهة، يعتنيان بها، والفيلة بدورها تعطيهما الحنان والأُلفة. لذلك يظهر الفيلم جوانب التوازن الصعب بين الطبيعة والإنسان والحياة الروحية والدين. يتعامل بومان وبيلي مع الفيلة كما لو أنها ابنتهما لأنهما تولّيا تربيتها. في الفيلم مشاهد لم نعتد رؤيتها، من الغريب أن نرى كيف يعامل الإنسان الفيلة بهذه الطريقة الودية. يدللانها، ويتشاجران ويمزحان معها كما لو كانت بشراً. من خلال الوثائقي، يمكننا أن نرى أنه لا يزال بإمكاننا الوثوق بالإنسانية، من خلال رؤية هؤلاء البشر وكيف يرعون الأفيال كجزء من حياتهم وكحيوانات أليفة وأفراد من العائلة، يصبح كل شيء هيناً ومريحاً. نلقي نظرة حميمية على الطبيعة اللطيفة لهؤلاء العمالقة الرائعين والمخاطر الحديثة التي يواجهونها. أدى التحديث والعمران والتغييرات السلوكية البشرية في المنطقة إلى زيادة الخطر على قطعان الأفيال، والأفيال التي لا يمكن إعادة دمجها (قبولها) مرة أخرى في قطيعها.
كونه قصيراً وموجزاً جداً، قد لا يزوّدنا الشريط بجميع المعلومات الضرورية وبعض التفاصيل المتعلّقة بالحيوانات والقبائل التي تعيش مع بعضها. لكن يكفي أن نلاحظ يومياتها، ونعجب بحضور الفيلة المهيب، ونعجب بالأشخاص الذين يعتنون بها. نرى في الفيلم كيف يعلّم الكبار الصغار كيفية الاعتناء بالطبيعة وبحيواناتها واحترامها، فهم يأخذون من الطبيعة فقط ما يحتاجون. ومن خلال ذلك، نرى المستقبل مع أجيال أكثر وعياً بالاهتمام بالبيئة واحترام الحيوانات. يرينا الفيلم كيف تبدو الحياة عندما يتعلم الحيوانات والناس العيش معاً. نظراً إلى أنّه قصير، ينتهي الفيلم بسرعة، لكنّنا نتمنى لو أنه يمكننا أن نقضي وقتاً أطول مع هؤلاء البشر والحيوانات أو حتى الهروب من كل شيء والذهاب للعيش في المحمية والاعتناء بالفيلة. ولكن على الرغم من أن الفترة التي قضيناها قصيرة وسريعة، إلا أنها مشحونة بالعواطف، مع تقلبات وانتصارات وهزائم، ولحظات حب وجمال وحزن.

* The Elephant Whisperers على نتفليكس