تنقضي اليوم مهلة الـ 72 ساعة، التي حددتها حملة «طلعت ريحتكم» والمجموعات الأخرى المشاركة في الحراك، من أجل تحقيق مطالبها المتمثلة بـ: استقالة وزير البيئة محمد المشنوق، محاسبة وزير الداخلية وكل من أصدر الأوامر بإطلاق النار على المتظاهرين، إجراء انتخابات نيابية جديدة، إيجاد حل بيئي مستدام لملف النفايات في لبنان يتضمن تحرير أموال البلديات من الصندوق البلدي المستقل، وإصدار نتائج تحقيق المدعي العام المالي في ملف «النفايات».
وهددت مكونات الحراك في نهاية تظاهرة السبت الماضي الحاشدة بالذهاب الى التصعيد إن لم تُحقَّق هذه المطالب.
كان من المتوقع أن تتفق هذه المكونات على شكل التصعيد ونوعيته في الاجتماع الذي عُقد أمس في مكتب المفكرة القانونية، وضمّ مختلف المجموعات بحضور رئيس التيار النقابي المستقل حنا غريب، والوزيرين السابقين شربل نحاس وزياد بارود، إلا أنّ هذا الاجتماع استغرق في مناقشة الشكل التنظيمي لقيادة الحراك وكثرة الأفكار المطروحة لمواصلة التحركات التصعيدية، ما استدعى تأجيل اتخاذ القرارات إلى اجتماع آخر يعقد ظهر اليوم، ريثما يتسنى لكل مكون مناقشة الاقتراحات والأفكار داخلياً وعودة ممثليه بمواقف نهائية.
ثلاث نقاط أساسية بُحثَت في الاجتماع أمس، أوّلها تقويم التحركات التي حصلت وصولاً إلى تظاهرة السبت، وقد عبّر المجتمعون عن إدراكهم أنّ حجم المشاركة رتّب مسؤولية كبيرة عليهم، وبالتالي اتفقوا على أن تكون الخطوات اللاحقة مدروسة بشكل دقيق، بما يُسهم في زيادة المشاركة والزخم والابتعاد عن خطوات يمكن أن تستفز شرائح مختلفة من الناس. هذا الجو الإيجابي سيطر على المجتمعين قبل الدخول إلى الاجتماع، وأكّد المدير التنفيذي لجمعية المفكرة القانونية، المحامي نزار صاغية أنّ «العدد الذي نزل السبت كان كافياً لإعطاء تفويض للحراك لاستكمال المسار»، لافتاً إلى أنّ المبادئ العامة للحراك تتوضّح يوماً بعد يوم بقدر ما يتوسّع الحراك، والأمر الأبرز في هذه المرحلة هو «كيف سنكون تنظيمياً وخطابياً على مستوى التفويض، وكيف سنبلور خطاب الحراك ونجعله متناسقاً مع تصاعده إذ إنه كلما ازدادت مشروعية الهيئة الداعية ترسخت الخطة التي سيتبعها الحراك». وناقش المجتمعون أمس ما عدّوه «خروقات حدثت في تظاهرة السبت»، ورأوا أنّ الاستراتيجية التي وضعتها المجموعات نجحت في ضبط التظاهرة وتسييرها كما كان مقرراً، إلا أنّ انتقال الناس إلى ساحة رياض الصلح وما حدث لاحقاً هناك شكّل خرقاً للإجراءات المسبقة التي اتُّخذت. وتشير مصادر إلى أنّه كان هناك اتفاق واضح بين المجموعات قبل التظاهرة على التزام ساحة الشهداء مكاناً للاعتصام وإعلان انتهاء التظاهرة عند الساعة الثامنة، لكن ما حصل على الأرض هو أنّ كل مجموعة تصرّفت كما تريد، مبررةً الأمر بعدم قدرتها على ضبط «شارعها».
النقطة الثانية التي استهلكت القسم الأكبر من المناقشات هي المتعلقة بالأفكار المطروحة لتشكيل إطار موحّد لقيادة الحراك. وبحسب المعلومات، لم يكن هناك توافق تام على الشكل التنظيمي لهذا الإطار، على الرغم من أن أكثرية المجتمعين عبّروا عن اقتناعهم بضرورة الانتقال بالحراك من مجرد حملة تشترك فيها مجموعات مختلفة إلى شكل آخر قادر على إنتاج خطاب وبرنامج عمل على مستوى توقعات من شارك في تظاهرة السبت الماضي. حساسية هذه النقطة استدعت تعليق بتّها إلى اجتماع اليوم، وذلك فسحاً في المجال أمام إمكانية التوصل إلى صيغة توافقية بين المجموعات.
أمّا النقطة الثالثة التي بحثها الاجتماع، فتمثلت بخيارات التصعيد في ضوء إدراك المجتمعين أن أصحاب القرار لن يمتثلوا بسهولة للمطالب المحددة. فقد طُرح العديد من الأفكار في هذا الإطار، التي لم تشكّل نقاطاً خلافية، على أن تُبلوَر اليوم وتُعلَن في بيان الحملة اليوم. علماً بأنّ جانباً من النقاش في هذه النقطة تركّز على ضرورة الابتعاد في هذه المرحلة عن أي نوع من التحركات الميدانية التي قد لا تلقى صدىً إيجابياً في أوساط أكثرية المشاركين، ولا سيما أن العديد من المجتمعين عبّروا عن اقتناعهم بأن المواجهة مع السلطة قد تستدعي قرارات جريئة وأشكالاً غير تقليدية للتحرك تتجاوز ما يجري طرحه عن التظاهر مجدداً في بيروت والمدن الأخرى في أوقات متزامنة.

أجواء ما بعد الاجتماع
تؤكد أنّ الجميع مصرّون على الوصول إلى اتفاق

بحسب مصادر المجتمعين، إن التباين الأساسي بين مكونات الحراك ليس على شكل التصعيد وأدواته، بل على الشكل التنظيمي الذي يجب اتباعه، إذ كان مقترحاً إيجاد هيئة متابعة وتنسيق لتسريع آلية اتخاذ القرارات، وهو ما رفضه البعض. إلّا أنّ أجواء ما بعد الاجتماع تؤكد أنّ الجميع مصرّون على الوصول إلى اتفاق وتوحيد الجهود بحيث لا تتمكن السلطة من شق الحراك، وهو ما سيسعى إليه المجتمعون اليوم، الذين رددوا أنّ فشل الحراك بعد تظاهرة السبت هو بمثابة إعدامٍ لآمال الناس الذين نزلوا إلى الساحات، وبالتالي إن مسؤولية الحفاظ على الحراك تعني الحفاظ على أمل الناس بإمكانية التغيير في هذا البلد.
المسعى الجدي اليوم هو لعدم إعطاء السلطة فرصة التصويب على منظمي الحراك كما حصل مع الناشطين عماد بزي وأسعد ذبيان. يقول صاغية إنّ التوجه هو «إعطاء طابع مؤسساتي صلب للحراك من دون الإعلان عن قائد معيّن كي لا يُعَدّ التعرض لشخص ما في الحملة استهدافاً للحراك». وتُشير مصادر متابعة للحراك إلى أنّ تنوّع المجموعات المشاركة هو أمر مفيد وصحي، لكن يجب الحرص على توحيد الخطاب واستراتيجيات التحرك. وتضيف أنّ قوّة هذا التحرك تكمن في تجهيل القائد، بحيث تصعب إمكانية ضبط إيقاع الحراك، لكن بالمقابل يجب أن تكون هناك خطة واضحة وطويلة الأمد لهذا الحراك تتجانس مع مطالب الناس.
أمّا في ما يتعلق بأهداف الحراك وخطابه، فقد حدّد الحراك إطاره السياسي عبر «إعلان مبادئ دفاعاً عن المجتمع» كان قد أقرّه المجتمعون في الاجتماع الذي عُقد قبل يوم من تظاهرة السبت، أكّدوا فيه أنّ «معالجة أزمة النفايات هي المواجهة الحاليّة، لكنّها ليست الأخيرة». وبناءً عليه، وضع الحراك هدفاً أمامه هو «بناء دولة مدنية ديمقراطية عادلة تكفل الحقوق المدنيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة الأساسية وما ترتبه من خدمات لمواطنيها، وبناء مؤسساتها بمنأى عن اعتبارات المحاصصة. وعلى هذا المسار، نحدد أولوياتنا بإيجاد حلول بيئيّة سليمة لموضوع معالجة النفايات، ضمان الكهرباء في جميع المناطق 24/24 ساعة، بتّ ملفات الرواتب والأجور بطريقة تضمن حياة كريمة للمواطنين، ضمان استقلال القضاء وحقّ المواطنين بالمحاكمة العادلة وضمان الحريّات العامة وفي طليعتها حريّة التظاهر والتجمع السلمي والتغطية الصحيّة الشاملة وإنصاف جميع الفئات الاجتماعية المغبونة، وفي طليعتهم المعوقون وذوو المفقودين».




حدثان متزامنان

يتزامن اجتماع حملة "طلعت ريحتكم" اليوم، مع حدثين لافتين على المستوى الحكومي، الأول يتمثل بإعلان وزير الداخلية نهاد المشنوق نتائج التحقيق في أعمال إطلاق النار واستخدام القوى الأمنية للعنف المفرط في تظاهرة 22 آب وما تلاها. والثاني الاجتماع الذي سيعقده وزير الزراعة أكرم شهيب، مع لجنة من الخبراء بعد تكليفه رسمياً من قبل رئيس الحكومة، لتولي متابعة ملف النفايات المنزلية الصلبة ورفع تقرير إلى الحكومة حول الخيارات المطروحة للحل. وسيشكل هذان الاجتماعان وما سيخرج عنهما من مواقف مادة دسمة للتداول من قبل منظمي الحراك، لكي يبنى عليه موقفهم من مستوى الاستجابة لمطالبهم وشكل التحرك وسرعته بعد انقضاء مهلة الـ 72 ساعة.