تجّار الحليب يتحكّمون في الأسعار والعلف يمثّل 50% من الكلفة
عساف أبو رحال
دفعت الضائقة المعيشية قسماً من أبناء الأرياف العاطلين من العمل، باتجاه العمل في مجال تربية المواشي، وانتشرت هذه الظاهرة في القرى الحدودية في ظل غياب أسواق لتصريف الإنتاج، إذ كانت المنطقة تفتقر إلى معامل لتصنيع مشتقات الحليب، فيما تعدّ القرى والبلدات سوقاً ضيقة لا يمكنها استيعاب الكميات المنتجة.
تشهد منطقة وادي التيم تكوّن ظاهرة وجود مزرعتين أو ثلاث مزارع لتربية الأبقار في كل قرية، وهذا النمو العشوائي من دون أي دراسة أو رقابة للإمكانات المتاحة لتصريف الإنتاج، تحوّل إلى مشكلة، إذ إنّ المربّين كانوا قد استحصلوا على قروض مصرفية لإنشاء مزارعهم، إلّا أنهم اصطدموا بالنتائج التي تُظهر تورّطهم في إيفاء القروض من دون أن تكون لديهم القدرة على تصريف الإنتاج بمستوى ربحية مناسب.
ويقول بعض مربّي الأبقار، إن هناك حجماً كبيراً من المعوّقات التي تقف حائلاً أمامهم، ولا سيّما أنّ أكلاف التشغيل من علف وأدوية بيطرية وكلفة نقل الحليب وغيرها مرتفعة جداً، وتمثّل قصة فندي نوفل مع إنشاء مزرعة أبقار فيها 15 رأساً حلوباً، مثالاً صارخاً على هذا الأمر، فقد كان نوفل يعمل في أحد فنادق بيروت، لكنه أُوقف عن العمل، فعاد إلى الريف بهدف إنشاء مزرعة أبقار، لكنه واجه صعوبات في التمويل والضمانات المطلوبة، فاقترض مبلغ 90 مليون ليرة من مؤسسة «كفالات».
وبحسب ما هو متعارف عليه، فإن سعر رأس البقر يراوح بين 2500 دولار و3000، وتنتج البقرة الواحدة ما معدّله 23 كيلوغراماً من الحليب يومياًً، أي نحو 16 ألف ليرة على أساس أنّ سعر الكيلوغرام الواحد يبلغ 700 ليرة، وفي المقابل تحتاج البقرة إلى 15 كيلوغراماً من العلف تبلغ كلفتها 8 آلاف ليرة، أي إنّ 50% من قيمة الإنتاج تذهب علفاً للأبقار، علماً بأن طبيعة الأرض وضيق المساحات لا يسمحان برعي القطعان خارج المزرعة، أي إن العلف أساسي لإنتاج الحليب. على صعيد التصريف، هناك مصنع واحد للحليب في منطقة وادي التيم في قضاء حاصبيا، ولا يمكن امتصاص كل الكمية المنتَجة، ممّا يقلص خيارات التصريف إلى مصانع البقاع، وبالتالي زيادة كلفة النقل وتحكّم أصحاب المعامل في الأسعار بأدنى مما هي عليه.
ويشكو سلمان عواد، صاحب مزرعة أبقار أيضاً من سوء معاملة أصحاب المعامل لجهة تسعير الحليب، والتأخّر في دفع مستحقات المزارع، فيؤكّد أن الأسعار تخضع للعرض والطلب، لكنّ أصحاب المعامل يتّفقون على سقف سعر شراء كيلوغرام الحليب، ما يعني التحكّم في الأسعار، وبالتالي يجب على الدولة أن تجد حلّاً لهذا الأمر. وأكد خالد الفضل من بلدة الروضة البقاعية، ويعمل في نقل الحليب من المزرعة إلى المعمل، أن أصحاب المعامل هم الذين يحدّدون الأسعار، مشيراً إلى معمل كبير في شتورا تصدر عنه بورصة يومية تحدد التسعيرة، ووصف تجارته بأنها «جمعة ربح وجمعة خسارة»، لعدم التزام أصحاب المعامل بتسلّم الكمية المتفق عليها.
وفي منطقة حاصبيا أكثر من 20 مزرعة بقر تنتج يومياً نحو 8 أطنان من الحليب، ويعاني مزارعو المنطقة ارتفاع أسعار الحبوب والأعلاف واللقاحات البيطرية الضرورية للحفاظ على سلامة الأبقار، فيما المزارع يفتقد إشراف الدولة وإرشاداتها، ويعتقد نوفل أن الطبيب البيطري وصاحب المعمل وتجار العلف والحليب... «جميعهم يعملون ضد المزارع».