منذ طرح إنشاء سد جنة، في فتوح كسروان، تتراكم في الإدارات العامة المعنية بهذا السد المراسلات والقرارات والدراسات التي توصي بتجنب إنشائه. وزارة البيئة طلبت من وزارة الطاقة وقف الاعمال بالكامل. وزارة الزراعة طلبت عدم المباشرة أو متابعة اقتلاع الأشجار. التفتيش المركزي قبل الدعوى المقدمة من جمعية التجمع للحفاظ على التراث اللبناني.
وأضيفت إلى دراسات الوزارات أبحاث مؤسسات عالمية مثل BGR التابعة للدولة الألمانيّة والشركة الفرنسيّة العالمية «سافيج»، وتوصيات خبراء بيئيين وهيدروجيولوجيّين مثل البروفسور ولسون رزق ورئيس جمعيّة الهيدروجيولوجيّين في فرنسا ميشال باكالوفيتش والدكتورة ميرنا سمعان الهبر والخبير غسان جرادي والدكتور سمير زعاطيطي، وغيرهم كثيرين، دققوا في وضعية هذا السد، وأكّدوا أنه يمثّل خطراً بيئياً وتراثياً وسياحياً وإنسانياً وجيولوجيّاً على المنطقة، لكن ذلك كله بقي حبراً على ورق في أدراج وزارة الطاقة التي تابعت تنفيذ العمل، من دون المبالاة بقرارين وزاريين صادرين في 22 نيسان 2014 و20 حزيران 2014 يقضيان بوقف الأعمال الجارية في السد. وعليه، جرى اقتلاع الأشجار وجرف التربة لتوسيع الطريق المعروف بـ»المشنقة» في اتجاه سهل جنّة...

السد يواجه خطر
الانهيار لوقوعه وبحيرته فوق فوالق زلزاليّة ناشطة


إلا أن الملف سلك منحى آخر، أخيراً، حين طلب وزير البيئة محمد المشنوق عرضه على مجلس الوزراء لبتّ مسألة استمرار الأعمال في المشروع أو وقفها. وأوحت الردود المتبادلة بين وزارتي الطاقة والبيئة بأن أزمة جدية تلوح بينهما على خلفية السد.
ففي كانون الثاني 2015، كلّفت وزارة الطاقة ومصلحة مياه بيروت وجبل لبنان، لا وزارة البيئة أو الزراعة أو أي طرف آخر، شركة «جيكوم» الاستشارية بدرس 5 ملاحظات من أصل 15 سجلتها وزارة البيئة. فخلصت الدراسة إلى التحذير من خطر «التدهور البيئي الخطير»، و»مجموعة مخاطر تهدد النظام الإيكولوجي». وتوضح الباحثة ميرنا سمعان الهبر أن خلاصة الخبراء تفيد بأن «تغيير المسار المائي لنهر إبراهيم، بحكم إنشاء السد، ستكون له آثار وتغييرات سلبيّة هائلة على النظام الطبيعي (من سطحي أو جوفيّ)، كذلك فإنّ الإرث الكبير، الثقافي والحضاري، لوادي أدونيس الذي يمثل نقطة تلاق لمناطق أفقا والرويس وسهل جنة ومنطقة شوان، مهدد بالكامل»، فيما يؤكّد المنسق العام للائتلاف المدني الرافض لمشروع سد جنة، رجا نجيم، أنّ دراسة «جيكوم» لم تشمل كل الملاحظات والتحفظات التي صدرت عن وزارة البيئة، لكنّها، مع ذلك، أكّدت وجود «خطر داهم يتمثل في احتمال انهيار السد وتضرّر بحيرته بسبب تحرك زلزاليّ بحكم تحميلها هذا الحجم الكبير من المياه (38 مليون متر مكعب) بعدما ثبت وقوع السدّ وبحيرته فوق فوالق زلزاليّة ناشطة.
إلا أن المفاجأة كانت بتمسك وزارة الطاقة بالمشروع، رغم قرع التقرير جرس الإنذار. وبدل إقناع الرأي العام بطريقة علمية وهادئة، عبر دراسات واضحة، بوجهة نظره، لم يجد وزير الطاقة أرتيور نظاريان سوى التشكيك في التقرير بالإشارة الى أن «الاستشاري لم يستعن بخبراء متجردين وغير منحازين (...) ما أضفى على التقرير طابعاً سلبياً مطلقاً وأفرغه من أي إيجابية، فألبس تقرير الأثر البيئي سلبيات غير صحيحة»، فيما عاب زميله في تكتل التغيير والاصلاح سيمون أبي رميا على المعارضين استنادهم إلى تقارير (أعدّها برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة) تعود إلى عام 1970، متجاهلاً عشرات الدراسات الحديثة التي أدت الى النتيجة نفسها. ردّ نظاريان على التقرير العلمي باتهامات سياسية عزز موقف «البيئة» التي ذكّرت زميلتها «الطاقة» بأن الأخيرة هي من تبنّت التقرير الاستشاري حين أرسلته إلى «البيئة» لإبداء الرأي فيه، وهي من وضعت دفتر الشروط للاستشاري ولزّمته العمل.
ميدانياً، تبحث عدة جمعيات بيئية وزراعية كسروانية مع المجالس البلدية وناشطين إمكان تنظيم تحركات ميدانية للضغط على الوزارات المعنية لوقف المشروع، أقله ريثما تقدم دراسات علمية موثوق بها تسمح بإتمامه، فيما بدأت ترتفع أصوات معارضة للمشروع داخل الرهبانية البلدية المارونية اللبنانية التي يتبع لها دير مار سركيس وباخوس في قرطبا، الذي يملك الجزء الأكبر من المساحة المخصصة للسد وشبكاته. وكانت الرهبنة قد سهلت، مع وقف الكرسي البطريركي، استملاك حوالى 600 ألف متر مربع (بحسب لوائح الاستملاك) من أراضيها، وإنشاء السد من دون الاطلاع على دراسات المشروع أو الاستماع الى رأي الناشطين البيئيين ورؤساء المجالس البلدية المجاورة (نهر إبراهيم ويحشوش) الذين يرفضون المشروع لإلحاقه ضرراً كبيراً بنحو 100 مليون متر مربع من الأراضي الزراعية والأحراج، وتهديده نهر أدونيس بالجفاف.
إيجابيات السد وسلبياته تحوّلت مادة النقاش الأساسية لفعاليات كسروان وجبيل ونواب المنطقتين ووزرائهما، وخصوصاً أن آلاف الناخبين يعيشون في ظلّ السد، وآلافاً آخرين يعتاشون من الأراضي الزراعية والأحراج المحيطة به، إضافة إلى نشوء عشرات المشاريع السياحية على طول الطريق من نهر إبراهيم إلى «الجنة»، لكن لا أحد يملك جواباً شافياً.
ورغم أن «صوفة» وزير البيئة «حمراء» هذه الأيام في عيون معظم الناشطين البيئيين، تقتضي الأمانة الاشارة الى أن المشنوق «يقاتل» وحيداً في هذا الملف. فرئيس لجنة الأشغال العامة والطاقة والنقل النيابية محمد قباني ساير شهر العسل العوني ــ الحريري وماطل في إرسال توصية لجنته بوقف الأعمال إلى رئاسة مجلس الوزراء، فضلاً عن أن السدّ يفيد تيار المستقبل بطرق عدة، فهو أولاً يؤمن المياه لبيروت، وضرره، ثانياً، بعيد عن مناطق نفوذه، ويتيح له، ثالثاً، الحصول على سدود مقابل دعمه هذا السد، فضلاً عن أن غالبية المقاولين والمتعهدين المستفيدين من المشروع يدورون في فلك التيار الأزرق. أما وزير الثقافة روني عريجي فيقف في موقع حرج: اطّلع على التقارير في شأن تهديد الإرث الثقافي لنهر إبراهيم (أو أدونيس)، لكنه، في الوقت نفسه، يدرك أهمية هذا السدّ للتكتل الذي ينتمي اليه.