بعد مرور قرابة شهر على اقرار مجلس الوزراء للخطة التي اقترحتها لجنة من الخبراء برئاسة وزير الزراعة اكرم شهيب، يتوقع ان تسلك هذه الخطة طريقها الى التنفيذ، لكن بعد ادخال تعديلات على مرحلتها الانتقالية. مخطئ من يظن ان قبول نواب وبلديات واهالي عكار نقل النفايات الى مكب سرار بعد تحويله الى مطمر نابع من اقتناعهم بجدوى هذا الخيار من الناحية البيئية.
قسم راجح من العكاريين اعلن صراحة انه مستعد لتحمل نقل نفايات العاصمة بيروت حصراً، وعندما وقع الخيار على نقطة المصنع الجردية والقريبة من الحدود السورية، اختلط الاعتراض الشعبي مع حساسية الموقع من الناحية الهيدروجولوجية، لكن الاشارات السياسية التي أُعلنت في أزهر البقاع اول من امس، وصلت الى من يعنيهم الامر. لم يترجم تيار المستقبل موافقته على «خطة شهيب» داخل مجلس الوزراء وضمن كتلته النيابية الى موافقة شعبية وبلدية في قضاءي زحلة والبقاع الغربي، وتحديداً في مجدل عنجر خزانه الانتخابي. رميت الكرة على نحو واضح في ملعب حزب الله وحركة أمل، اللذين سيتحتّم عليهما المساهمة في الحل من خلال الموافقة على اقتراح انشاء مطمر في منطقة يمكنهما ان يمررا حلا فيها. قائمة المواقع المدروسة من الناحية البيئية التي تقع ضمن هذا التصنيف، ثلاثة، ومتنوعة بين البقاع والجنوب، فيما يبقى العامل الامني- العسكري ما يجعل من هذه المواقع موضوع تساؤل ودرس.
وبالعودة الى المقترحات التي ادرجت في الخطة يتبين انها تنقسم الى مرحلتين، الاولى انتقالية للخروج من الأزمة، ومرحلة مستدامة، اجمع الأفرقاء على جدواها، وجرى تقدير الفترة القصوى لانتظامها بـ ١٨ شهراً. خلال هذه الفترة اوصت اللجنة بطمر النفايات في سرار - عكار، المصنع - البقاع، وبرج حمود – المتن، وبنقل النفايات المتراكمة في الشوارع بالتزامن مع بدء نقل النفايات المنتجة يومياً، الى مطمر الناعمة- عين درافيل، لفترة سبعة ايام، ليغلق بعدها هذا المطمر وتبدأ اعمال التاهيل والتتريب والتخضير.

لم يترجم تيار المستقبل موافقته على «خطة شهيب» في موقع المصنع


انجزت جميع الترتيبات لبدء تنفيذ بند «الايام السبعة» في مطمر الناعمة – عين درافيل، باستثناء اعتراض مبدئي من حملة اقفال مطمر الناعمة، التي اعلنت انها لن توافق على هذه الخطوة، لكنها لم تثبت ميدانياً انها قادرة على اعادة تظهير هذا الاعتراض شعبياً بعد اعلان القوى السياسية (جنبلاط، ارسلان، وهاب) والبلديات والمخاتير وعدد من الجمعيات الاهلية القبول المشروط بقرار نقل النفايات الى المطمر.
ويبدو واضحا ان قبول أهالي عكار لخيار تحويل مكب سرار الى مطمر صحي ونقل ١٥٠٠ طن يومياً من نفايات بيروت وجبل لبنان اليه، يترنح بين موافق، ومفاوض قبل الموافقة ومعارض مبدئي.
وكان لافتاً أمس مشاركة النائب خالد الظاهر في اعتصام في ساحة حلبا، مهدّداً بأنه «لن تمر شاحنة نفايات إلى عكار إلا على أجسادنا»، وداعياً وزير الداخلية نهاد المشنوق إلى «كفّ يده عن عكار لأنها ترفض الإهانة».
وعلمت «الأخبار» أن الضاهر سيلتقي اليوم برئيس الحكومة تمام سلام لحسم موقفه. وبناءً على هذا اللقاء سيتبين ما إذا كان تيار المستقبل سينجح في إمرار تسوية تفضي في نهاية المطاف لبدء العمل في تحويل الموقع من مكب عشوائي الى مطمر صحي.
وفيما لم يحسم حزب الطاشناق أمره بالنسبة إلى برج حمود، لم تترجم مباركة العماد ميشال عون لخطة شهيب بعد زيارة الاخير له، بل على العكس فان عددا من البلديات في عكار التي يملك فيها التيار الوطني الحر حضورا واسعا اعلنت رفضها للخطة. ويبدو ان عون ينتظر ان تقابل ايجابيته بامرار الخطة داخل مجلس الوزراء، بقبول الطرف الاخر للمبادرة التي عمل عليها النائب وليد جنبلاط والمتعلقة بالحل المقترح لتعيينات السلك العسكري ولآلية عمل مجلس الوزراء، ولغيرها من الملفات العالقة داخل مجلس الوزراء وخارجه.
وفي مقابل تعثر الحل السياسي، الذي سينعكس حكماً على تنفيذ خطة النفايات، فان الحراك الشعبي الذي لم يوافق على اقتراحات المرحلة الانتقالية والمتعلق بالمطامر، سينتقل مع بدء تنفيذ الخطة الى مرحلة جديدة من الاعتراض، عنوانها الاساسي مدى التزام الحكومة مندرجات الخطة التي اقرتها، وخصوصاً البنود المعدلة التي جرى التوافق بشأنها مع الحركة البيئية التي انتدبها الحراك للتفاوض مع لجنة الخبراء.
لكن الجميع بات محكوماً بمعادلة بالغة الدقة «الإزالة الفورية للنفايات»، لذلك فان اي اعتراض سواء كان بيئياً او سياسياً ، لن يكون حكماً مرتبطا ببقاء او رفع النفايات من الشارع، لان مسألة ازالتها الفورية، هي محط اجماع لبناني من مختلف الافرقاء، بما في ذلك مجموعات الحراك المدني نفسه. الامثلة على ذلك كثيرة، فحين وضع فيتو على اي دور لمجلس الانماء والاعمار في المرحلة الانتقالية بذريعة «تورط مسؤولين فيه في قضايا فساد»، فان ترجمة هذا المطلب تعني حكماً اللجوء الى تطبيق قانون الدفاع الوطني، وهي خطوة رفض الحراك السير بها خلال مناقشته لخطة شهيب، الامر الذي يعني ان الموجبات التعاقدية وضمان حسن سير المرفق العام يطرحان استمرار عمل مجلس الانماء والاعمار في مهمات تتعلق بقطاع ادارة النفايات المنزلية الصلبة خلال المرحلة الانتقالية.
اما مطلب تحرير اموال البلديات، فهو من مسلمات خطة لجنة الخبراء. ولقد اوصت به وبدأت الوزارات المعنية بتنفيذ هذه التوصية، لكن الربط بين وصول هذه الاموال الى البلديات واجراءات من قبيل «فتح حساب الصندوق البلدي المستقل»، او مشاريع لاصلاح آلية عمل الصندوق البلدي المستقل، او نقله الى وزارة الداخلية، كما ينص قانون البلديات، او حصرية وصلاحية وزارة الاتصالات في توزيع اموال الخلوي وكف يد وزارة المالية، وغيرها من المطالبات، سيبقى موضع نقاش سياسي، لكنه بالتأكيد لن يتحقق قبل بدء تنفيذ المرحلة الانتقالية، علماً ان قضية الصندوق البلدي المستقل والية عمله هي موضع انقسام سياسي حاد بين مختلف المكونات السياسية. لذلك فان معيار الاولوية في هذه المرحلة هو ضمان وصول اموال البلديات دون اي اعمال اقتطاع الى حسابات البلديات في مصرف لبنان، ضمن فترة زمنية قصيرة لضمان سرعة الانتقال من المرحلة الانتقالية الى المستدامة، وبالتالي التخلص التدريجي والسريع من الواقع الحالي لادارة النفايات المنزلية الصلبة، وخصوصاً في محافظتي بيروت وجبل لبنان.