كشفت روايات الهجرة غير الشرعية من لبنان عن موجة كبيرة تنطلق من طرابلس، اذ تحوّلت عاصمة الشمال إلى وجهة رئيسية لمن ينوي التوجه إلى أوروبا طلباً للجوء.هذه الهجرة تأخذ شكلين: الأول يبدأ شرعيا بالسفر عبر مرفأ طرابلس نحو تركيا، والثاني غير شرعي، عبر التهريب، يتحدث الناس عنه في الشارع، من دون وجود ادلة كافية عليه.

من الناحية الرسمية، تتحدث المعلومات عن أن عدد من غادروا مرفأ طرابلس بحراً إلى تركيا، وأغلبهم من السوريين، فاق مئة ألف شخص، وهؤلاء يغادرون لبنان ويدخلون تركيا على نحو شرعي، وأن خط سير نقل الركاب بين طرابلس ومرسين، الذي افتتح عام 2010، أصبح بمعدّل 4 رحلات سياحية يوميا، بعدما كان يقتصر على رحلتين في الأسبوع يوم افتتاحه.
لكن الهجرة غير الشرعية عن طريق التهريب بحراً يشوبها الكثير من الغموض، لأن أغلبها يجري على نحو غير معلن، إلى حدّ أن أفراداً وعائلات لم يعرف أحد أنها هاجرت إلى تركيا إلا بعد أيام أو أسابيع، بعد وصول أخبار أنها غرقت في البحر أو أنها محتجزة في أحد المعسكرات في دول أوروبية، وسط شائعات يومية عن غرق طرابلسيين وشماليين في البحر، سرعان ما يجري نفيها كما حصل في الايام الماضية.

تعمل «مافيات» منظمة
على تسهيل التهريب من لبنان باتجاه تركيا واليونان



غير أن هذه الهجرة غير الشرعية يسلّط الضوء عليها، كل مرة، عندما تحصل كارثة غرق ووفاة بعض المهاجرين، كما حصل منذ أيام بعد غرق معظم افراد عائلة صفوان، التي غادرت الى تركيا عبر مرفأ طرابلس، وقبل ذلك بقرابة شهرين عندما غرق 9 أشخاص فلسطينيين من مخيم اليرموك، كانوا على متن قارب يحمل قرابة 40 منهم.
هذان الحادثان كشفا عن وجود «مافيات» منظمة تعمل على تسهيل التهريب من لبنان باتجاه تركيا واليونان، مقابل مبالغ كبيرة من المال يجري التوافق عليها مسبقاً.
يردد الناس في الشارع ان اجهزة الامن تغض الطرف عن عمليات التهريب، وان المافيات لا يمكنها ان تعمل وتبقى غير مكشوفة إذا لم تكن هناك اطراف تؤمّن لها الغطاء اللازم.
ترد مصادر مطلعة غض الطرف الامني الى سببين رئيسين، الاول: تراجع المساعدات التي تأتي إلى الدولة اللبنانية لمواجهة مشكلة النازحين السوريين، كما أن الهجرة تخفف من ضغوط الأزمة الإجتماعية والإقتصادية. والسبب الثاني: أن إتصالات أجريت مع أكثر من جهة أمنية طلبت منها التساهل في موضوع مغادرة أشخاص للبلد بهذه الطريقة، سواء كانوا لبنانيين أو سوريين او فلسطينين او من جنسيات أخرى، بمن فيهم الذين صدرت بحقهم مذكرات توقيف، أو المطلوبون قضائياً، لأن مغادرتهم لبنان تخفف المخاطر الامنية عليه.
وبحسب المعلومات التي حصلت عليها «الأخبار» من مصادر لبنانية وفلسطينية، فإن الساعين للهجرة بطريقة غير شرعية يتجمّعون عادة فجراً عند نقطة تقع قرب مصب نهر أبو علي ملاصقة لمكب نفايات طرابلس، بعيدا عن الأنظار، ومن هناك يجري تهريبهم على شكل مجموعات بواسطة قوارب صغيرة إلى عرض البحر، خارج المياه الإقليمية، حيث يكون بانتظارهم مركب كبير، يصعدون إليه بقصد التوجّه نحو تركيا.
وكشفت المصادر أن «أفراداً وجهات لبنانية وسورية وفلسطينية تعمل في طرابلس ومخيم البداوي، وأن الأجهزة الأمنية تعرف كل ما يجري، ولكنها تغض الطرف عن تهريب الأشخاص، وتحديداً النازحين الفلسطينيين والسوريين، بعدما ضاقت السبل بهم في أعقاب توقف المنظمات الدولية ووكالة الأونروا عن تقديم المساعدات لهم، ولا سيما لجهة دفع بدلات الإيجار الشهرية لايوائهم، ما جعل عائلات كثيرة تجد نفسها مرمية في الشارع بلا مأوى أو معيل».
وأوضحت المصادر، في معرض تأكيدها على غضّ طرف الأجهزة الأمنية عن هذه العمليات، أن «النازحين والراغبين بالهجرة الذين يريدون مغادرة لبنان بحراً بهذه الطريقة غير الشرعية، يتجمّعون علناً في نقاط معينة، ومنها يتوجّهون على مرأى من الأهالي بسيارات إلى نقاط محددة على الشاطىء، ثم ينتقلون في قوارب صغيرة إلى خارج المياه الإقليمية».
تشير المصادر أن الكلفة المالية التي يفترض بكل مهاجر غير شرعي أن يدفعها لمن يُسهّل له خروجه من لبنان تراوح بين 2000 دولار لمن يريد أن يغادر إلى تركيا، و3500 دولار لمن يفضّل اليونان لكونها عضواً في الإتحاد الأوروبي، وأن هذه المبالغ تدفع سلفاً».