تدرّج موقف وزير البيئة محمد المشنوق في موضوع إنشاء مطمر للنفايات المنزلية الصلبة على عقار على الشاطئ في منطقة الشويفات العقارية قرب مسبح كوستا برافا.قبل يومين، أعلن المشنوق أنه بالتشاور مع مجلس الإنماء والإعمار سيعرض على مجلس الوزراء ضم هذا الموقع الى لائحة المواقع المرشحة لتكون مطمراً للنفايات، ليشرح في اليوم الثاني أمام وفد من لقاء الأحزاب الوطنية أسباب اختيار وزارة البيئة موقعاً قرب الكوستا برافا لطمر العوادم، ما يشير الى أن هذا الموقع لن يكون ضمن قائمة المواقع التي سيتم إبلاغ العارضين بها، بل إنه بات شبه مؤكد أن هذا الموقع استقر عليه الرأي ليكون مطمراً لنفايات بيروت الإدارية وضواحيها التي تقدر كمية النفايات الناتجة منها بما يزيد على ١٧٠٠ طن يومياً.

وبحسب قرار مجلس الوزراء الصادر في ١٢ كانون الثاني الماضي، فإن المتعهد عليه أن يؤمن على نفقته موقعاً لطمر النفايات على أن توافق عليه وزارة البيئة ومجلس الإنماء والإعمار. كما تنص القواعد الرئيسية للخطة على استرداد ما نسبته ٦٠ بالمئة من النفايات من خلال الفرز والتدوير والتسبيخ واسترداد الطاقة خلال السنوات الثلاث الأولى من الالتزام، على أن ترتفع النسبة الى ٧٥ بالمئة في السنوات اللاحقة، وصولاً الى التفكك الحراري. لكن قرار مجلس الوزراء يقع في تناقض وتعارض غير مسبوقين، إذ ينص على أن منطقة بيروت الإدارية وضواحيها ستطمر العوادم الناتجة من النفايات في المطامر التي يلتزم بها المتعهد بعد معالجتها في معملي برج حمود والعمروسية بعد تحسين قدراتهما، وشرط عدم توسعتهما جغرافياً! ومن المعلوم أن السبب الرئيسي لعدم التزام شركة سوكومي بتسبيخ الكمية الإجمالية للنفايات العضوية عدم توسعة معمل التسبيخ في الكورال الذي يستوعب ٣٠٠ طن يومياً كحد أقصى. وتؤكد مصادر متابعة لهذا الملف أن أعمال التحسين في معمل الكورال لا تعني زيادة كمية التسبيخ، وأن ذلك لا يمكن أن يحصل إلا بإضافة عقار آخر لتوسيع معمل التسبيخ وهو ما ترفضه بلدية برج حمود مدعومة من النواب الأرمن وكتلة التغيير والإصلاح. وبناءً عليه، فإن المتعهد الجديد سواء كانت مجموعة أفيردا (سوكلين وسكومي) أو أي شركة أخرى ستقوم بأعمال طمر ما يزيد على ٧٠ بالمئة من النفايات في المطمر الجديد في خلدة، أي ما يزيد على ١٠٠٠ طن يومياً، وبذلك سيتحول هذا المطمر الى نسخة منقحة عن مطمر عين درافيل، مع فارق أن أعمال الطمر ستتم عبر ردم البحر، الأمر الذي سيؤدي الى تسرب كميات هائلة من عصار النفايات الى المتوسط بما يتعارض مع اتفاقية برشلونة لحماية البحر المتوسط من التلوث.
أوصت التقارير بالتعامل السليم مع مخلفات أعمال التدمير
تستند وزارة البيئة في اختيارها لموقع الكوستا برافا الى الفقرة 3-2 من قرار مجلس الوزراء رقم 1 تاريخ 12/1/2015، وتحديداً وجوب «التخلّص النهائي من العوادم الناتجة من معالجة النفايات من خلال تأهيل المواقع المشوّهة (degraded)، أي مواقع المقالع والكسّارات، و/أو مواقع المكبّات العشوائية و/أو أيّ مواقع أخرى بحاجة إلى إعادة تأهيل». وتقول الوزارة إنّ من ضمن المواقع الأخرى التي تحتاج إلى تأهيل، موقع الكوستا برافا على الساحل في منطقة الأوزاعي الذي استخدم مكباً للردميات والمخلفات، وخاصة تلك التي نتجت من الدمار الذي أصاب الضاحية الجنوبية لبيروت خلال العدوان الإسرائيلي في عام 2006. ويؤكّد الوزير المشنوق «أن اعتماد هذا الموقع للتخلص من العوادم سيكون فرصة لإعادة تأهيله واستخدام الردميات الصالحة الموجودة حالياً لردم مساحة من البحر بعد إنشاء حاجز للحماية البحرية، وذلك بعد تجهيز هذا الموقع وفق المعايير البيئية المناسبة ليصبح مؤهلاً لاستقبال العوادم». هل إقامة مطمر للنفايات هو الحل البيئي الأمثل لموقع الردم في الكوستا برافا؟ وخصوصاً أن دراسة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة أعدت عقب العدوان الإسرائيلي في عام ٢٠٠٦ أوصت بوجوب التعامل السليم مع مخلفات أعمال التدمير والتخلص منها وإعادة استعمالها بأسلوب مستدام بيئياً.
ويتبين من تقرير الأمم المتحدة أن التلوث الناتج من استخدام موقع الكوستا برافا لتجميع الأتربة الناتجة من الأبنية المدمرة في الحرب ومخلفات الحفر لإعادة الإعمار ترتبط حصراً بانتشار الجزيئيات الهوائية التي نتجت من تدمير الأبنية والبنى التحتية. ومن خلال المراقبة التي قام بها فريق الأمم المتحدة البيئي للعديد من المواقع، تم تسجيل ارتفاع في كميات الغبار المنبعثة. وبعد مقارنة القيم المسجلة بقيم المعايير الوطنية لنوعية الهواء، تبين ارتفاع في تركيز الغبار في موقع الكوستا برافا وصل الى 1864 ميكروغرام/ المتر المكعب، ورأى التقرير أن هذا المعدل غير مقبول للغبار وسوف يؤثر سلباً على صحة المارين والعاملين في هذه المواقع، إذ إن النسبة المقبولة لانتشار الجزيئيات الهوائية يجب أن لا تتجاوز 150 ميكروغرام/ المتر المكعب. لكن توقف أعمال الردم في هذا الموقع منذ سنوات وسقوط مياه الأمطار على امتداد السنوات الماضية قد خففا بنسبة عاليه جداً كمية انتشار الجزيئيات الهوائية، وبقيت المخاطر المحيطة به ترتبط بقيام تجار تجميع الخردة بأعمال حرق للكابلات الكهربائية بهدف التخلص من أغلفة البلاستيك المحيطة بها وبيع النحاس، إضافة الى أعمال رمي النفايات غير القانوني التي تجرى بين الحين والآخر ولا يتم قمعها رغم وجود نقاط أمنية للجيش اللبناني بالقرب من المكب. يؤكد الخبير في التلوث بالسموم الدكتور ناجي قديح أن المحرك الرئيسي للخطط الحكومية واستراتيجيتها في اختيار مواقع الطمر، هو العمل على تلويث بقعة على الشاطئ، ليصار في ما بعد الى العمل على استصلاحها، وردم ملايين الأمتار في البحر، بحجة النفايات وإدارة النفايات. وهذا ما حصل في ضبية، وفي الكرنتينا، وهو ما يحصل الآن في صيدا، وبالتأكيد ما يخطط لحصوله في «الكوستا برافا» على شاطئ الشويفات ــ خلدة، وربما في أماكن أخرى من لبنان.
ويضيف قديح: «تنص خطة الحكومة الحالية على طمر النفايات، ومن ثم الانتقال إلى الحرق وطمر الرماد السام. وفي حالة طمر النفايات، فإن إنشاء مطامر في مواقع مردومة في البحر سيؤدي حكماً الى تلوث المياه، وخصوصاً أن الحاجز البحري مهما بلغ ارتفاعه لن يكون قادراً على حجز تسرب عصارة النفايات الى البيئة البحرية، وبالتالي القضاء على التنوع البيولوجي. أضف الى ذلك انتشار الروائح مع اتجاه الريح السائد، ما سيؤثر على المناطق السكنية والمنتجعات السياحية في هذه المنطقة؟ إذ في هذه الحالة يتم تعرض البحر للتلوث، والقضاء على شاطئ بطول كيلومترات عدة ، ويتم بعث الروائح والغازات إلى كل المنطقة الواقعة باتجاه الريح الجنوبي ــ الغربي. أما في حالة إنشاء محرقة في هذا الموقع (بحسب ما تنص عليه الخطة) فالكارثة البيئية والصحية سوف تطاول ملايين اللبنانيين القاطنين في بيروت والضاحية وسكان السفح الغربي للسلسلة الغربية إلى كيلومترات طويلة، تبعاً لاتجاه الريح السائد الجنوبي ــ الغربي في معظم أيام السنة، وصولاً إلى جونية وما بعدها، علماً بأن الرماد السام الناتج من الحرق سيطمر في الموقع نفسه، الأمر الذي يفاقم من خطر التلوث ويهدد الأمن الصحي لجميع اللبنانيين، وخصوصاً الذين يمارسون رياضة السباحة في البحر. بدوره، يؤكد رئيس جمعية الخط الأخضر د. علي درويش رفضه القاطع لردم البحر بحجة إقامة مطمر للنفايات. ويلفت درويش الى أن التجارب السابقة التي شهدها لبنان بفعل المشاريع الاستثمارية التي أنشئت على مر السنوات الماضية، وخصوصاً على الشاطئ من طمر للبحر في منطقة ضبية والنورماندي وغيرهما، لم ينجم عنها بالحقيقة وكما هو ظاهر للعيان سوى عمليات تخريب وتشويه للجبال وللشاطئ ووضع اليد على الأملاك العامة البحرية التي كان من المفترض والطبيعي أن تبقى مباحة لجميع اللبنانيين، حسب ما نصت عليه القوانين والتشريعات اللبنانية، فضلاً عن الأضرار البيئية غير المحدودة التي تلحق بالثروة السمكية وبالتنوع البيولوجي المحيط بالبيئة البحرية والجبلية وبالتغيير القسري اللاحق بالطبيعة وعواملها، بالإضافة الى الآثار السلبية الاقتصادية والاجتماعية على المجتمعات المحيطة بها.

يمكنكم متابعة بسام القنطار عبر | http://about.me/bassam.kantar