تقول منظمة العمل الدولية، إن عدد الدول الأعضاء في المنظمة التي صادقت على الاتفاقية رقم 100 لعام 1951 بشأن «مساواة العمال والعاملات في الأجر عن عملٍ ذي قيمة متساوية» يبلغ 126 دولة عام 1995، كما بلغ عدد الدول التي صادقت على الاتفاقية رقم 111 لعام 1958 بشأن «التمييز في الاستخدام والمهنة» نحو 122 دولة. بعد 20 سنة ارتفع العدد إلى 171 و172 دولة على التوالي، ولكن واقع التمييز الممارس ضد الامرأة في مكان العمل لم يتغيّر كثيراً، بل ان التقدّم المحرز جاء محبطاً جداً.
وبحسب المنظمة، فإن استمرار التقدّم ببطء شديد لن يحقق المساواة في الاجر، على سبيل المثال إلا في عام 2086، أي بعد 71 عاماً من الآن. على اقل تقدير.

لبنان لا يطبق الاتفاقيات

يصنف لبنان من بين الدول التي ابكرت في المصادقة على هاتين الاتفاقيتين، وباتتا نافذتين بموجب المرسوم الاشتراعي رقم (70) الصادر بتاريخ 25/6/1977. ولكن كما هو الواقع في دول كثيرة، لم تكن السلطات اللبنانية جدّية في فرض تطبيقهما، وبعد 35 عاماً على التزام لبنان باحكام هاتين الاتفاقيتين لم يحصل اي تغيير يُذكر. ففي لبنان، كما العالم، لا يزال عمل المرأة متركّزاً في وظائف متدنية الأجر ودون مستوى تعليمها وخبرتها.
وبحسب المنظمة، لم تتراجع الفجوة العالمية في معدلات المشاركة في سوق العمل بين المرأة والرجل إلا بصورة هامشية منذ عام 1995. اذ يعمل حالياً 50% من جميع النساء مقارنةً مع 77% من جميع الرجال، بالمقارنة مع 52% و80% على التوالي في عام 1995. هذه النسب تصبح في الحالة اللبنانية اكثر سلبية، فوفقاً لتقديرات ادارة الاحصاء المركزي فإن امرأة واحدة من كل اربع نساء تعمل في لبنان، اذ يبلغ معدّل النشاط الاقتصادي 22.8% فقط لدى الاناث في مقابل 72.8% لدى الذكور. ولا تمثّل العمالة النسائية سوى 23% من مجمل القوى العاملة في لبنان.
ما زالت فجوة الأجور بين الجنسين مستمرةً بالنسبة للمرأة. عموماً، تتقاضى المرأة في المتوسط 77 في المئة مما يتقاضاه الرجل مع اتساع الفجوة المطلقة بالنسبة للنساء ذوات الدخل الأعلى. وينطبق ذلك على الحالة اللبنانية، اذ تبيّن تقديرات ادارة الاحصاء المركزي ان فجوة الاجور بين الجنسين تصل الى 38% في قطاع الاتصالات والبريد والنقل.

القطاع المصرفي نموذجاً

غالبا ما يجري تبرير انعدام المساواة في الاجر بخضوع النساء لشروط عمل استغلالية في القطاعات المتدنية الانتاجية او في الوظائف غير النظامية، الا ان القطاع المصرفي يشكّل نموذجاً لدحض هذا التبرير. فالعاملات في المصارف يعانين من التمييز في الاجر، على الرغم من ان القطاع المصرفي منظم ويدرّ أرباحاً عالية. كما أن علاقات العمل خاضعة لعقد عمل جماعي، ما يعني الحصول على مكاسب أكثر مما يتيحها قانون العمل. كذلك هناك نقابات عمالية في هذا القطاع.

لا يزال عمل
المرأة متركّزاً في وظائف متدنية الأجر ودون مستوى تعليمها وخبرتها



بحسب تقرير «الموارد البشرية في القطاع المصرفي في عام 2013» الذي أصدرته جمعية مصارف لبنان، يتبين ان عدد العاملين في القطاع المصرفي يبلغ 18949 موظفاً، من بينهم 8803 نساء، أي 46.5% من إجمالي العاملين.
يُقرّ التقرير أن متوسط أجر الموظفة أقل بنسبة 15.2% من متوسط أجر الموظف كمعدل إجمالي لعموم الوظائف (مليونان و657 الف ليرة للذكر ومليونان و252 الف ليرة للأنثى). يُفسّر هذا الفارق بكون «الإناث يشغلن عدداً أقل من مراكز المسؤولية مقارنة بالذكور»، لكن التقرير يعترف أنه حتى عند تساوي الرتبة يبقى متوسط أجر الموظفة أقل بنسبة 10% من متوسط أجر الموظف. ويذكّر التقرير أن الفوارق تضاءلت بالمقارنة مع عام 2005 حيث كان متوسط أجر الموظفة أقل بنسبة 21.3% من متوسط أجر الموظف، وأقل بنسبة 13.8% عند تساوي الرتبة.

التمييز في الوظائف العليا

الفارق الملحوظ في إجمالي عموم الوظائف (البالغ 405 آلاف ليرة) لا يعبّر فعلياً عن التمييز الحاصل من ناحية الأجور، إذ تظهر الفجوة الكبيرة بين الإناث والذكور في الوظائف العليا. فمتوسط الراتب الشهري الاساسي لمدير عام مساعد يبلغ 13 مليون و904 ألف ليرة إذا كان رجلاً، بينما تأخذ المرأة في الوظيفة نفسها 11 مليون و94 الف ليرة، أي بفارق مليونين و810 آلاف ليرة. كذلك يتقاضى المدير المركزي للفروع 6 ملايين و461 الف ليرة مقابل 4 مليون و601 الف ليرة للأنثى. أما مدير الموارد البشرية فيتقاضى 8 مليون و333 الف ليرة اذا كان ذكراً، و5 مليون و651 الف ليرة إذا كانت أنثى.
يصل الفارق في بعض الأحيان إلى أكثر من ضعف الراتب، إذ يحصل مدير التنظيم في المصرف على متوسط أجر يبلغ 7 مليون و369 الف ليرة أما مديرة التنظيم فتحصل على 3 مليون و192 الف ليرة، أي بفارق 4 مليون و177 الف ليرة. كما يحصل مدير الترتيبات والوسائل العامة على 7 مليون و368 الف ليرة مقابل 3 مليون و490 الف ليرة للمرأة ما يعني أن الفرق يبلغ 3 مليون و878 الف ليرة.
يكشف التقرير أيضاً أن تقدير الأجور غير المصرح بها يبلغ 9 مليون و788 الف ليرة للرجل مقابل 3 مليون و662 الف ليرة للأنثى، ما يعني ان التقديمات الإضافية التي يحصل عليها الرجال في القطاع المصرفي أكبر بكثير من ما تحصل عليه النساء.

ارباح المصارف

في الحصيلة، إذا احتسبنا متوسط الراتب الأساسي لعموم الوظائف المقدّر للذكور بنحو مليونين و657 الف ليرة، واعتبرنا ان 8803 موظفة في المصارف يتقاضين المتوسط نفسه، سيتضح أن الارباح التي تحصّلها المصارف نتيجة غياب المساواة في الأجر واستغلال المرأة تبلغ 3 مليار و565 مليون و215 الف ليرة سنوياً.